وثقت مواطنة سقوط عدد من الضحايا في مختلف أحياء العاصمة الذي وقعوا ضحية طرفي الصراع جماعة الحوثي والقوات الحكومية بقيادة عبدربة منصور هادى ، التقرير يسرد روايات توثق شيئاً يسيراً من معاناة اليمنيين خلال الحرب الأليمه .
كذبة كبيرة ، تلك التي تصف دخول جماعة الحوثي المسلحة إلى صنعاء في سبتمبر 2014م بالـدخول الأبيض ، باعتباره كان دخولاً نظيفاً من دم المدنيين ، فلذلك الدخول ضحايا منسيون شدتنا الكوارث المتلاحقة والانتهاكات المتزايدة بوتيرة مرعبة منذ سبتمبر الماضي بعيداً عنهم وعن حقهم في أن يكونوا على الأقل موثقين في الوعي العام.
لا أستطيع في 21 سبتمبر 2015 أن اتذكر غيرهم ، روايات ذويهم لا تفارقني. أولئك الضحايا الذين وصلنا إليهم وغيرهم كثر لم نتمكن من الوصول إليهم لا يزالوا في ذمة طرفي الصراع آنذاك ( جماعة الحوثي والقوات الحكومية بقيادة عبد ربه منصور هادي ) وهما الطرفان اللذان اشتبكا لمدة أربعة أيام داخل أكثر من منطقة في صنعاء قبل أن تسيطر عليها جماعة الحوثي في 21 سبتمبر 2014م.
وثقت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان آنذاك سقوط 40 مدنياً بينهم ( 5 نساء و7 أطفال) ، لديها قائمة بأسمائهم وأعمارهم جمعتها عبر النزول الميداني خلال شهري سبتمبر- اكتوبر 2014م لعدد من الأحياء التي جرت فيها الاشتباكات ومنها ( مذبح ، حي النهضة ، شملان ، شارع الثلاثين ، الجراف ) ، والتقت بعدد من أهالي الضحايا وشهود عيان ، وقد سقط الضحايا الأربعين خلال الفترة ما بين 18 – 23 سبتمبر 2014م.
كان يوم السبت 20 سبتمبر هو الأكثر دموية ، حيث سقط فيه معظم الضحايا المدنيين ، سواء بالقذائف أو بالرصاص الموجه والطائش ، في ذلك اليوم وقبله بيومين فاقت كثير من الأحياء على انتشار كثيف لمجاميع مسلحة تابعة للحوثيين داخلها ، فأصبحت بين سندانها ومطرقة قذائف تُلقى باسترخاء شديد من معسكرات القوات الحكومية.
سوف آخذكم معي إلى الروايات التي توثق شيئاً يسيراً من معاناة تلك الحرب ، ولنبدأها من أحد الأحياء بالجراف خلف ملعب الثورة في يوم 20 سبتمبر 2014م حيث سقطت قذيفة وسط تجمع لعدد من سكان الحي بجوار بوابة عمارة سكنية فقتلت على الأقل تسعة مدنيين ، وبحسب شهود عيان جاءت القذيفة من ناحية تبة التلفزيون الحكومي .
شقيقة أحد الضحايا قالت لمواطنة ” الساعة العاشرة صباح يوم السبت بدأ الضرب ، كنت اسمعه فقط وكان عدد كبير من الحوثيين موجودين في الشارع ، تناول أخي فطوره ونزل للحديث مع الجيران في الأسفل ، ثم في لمح البصر انفجر شيء هز البيت بأكمله ، طليت من النافذة ورأيت أخي مرمي في الأرض ، نزلت إليه رفعته وأمسكت برقبته وسمعت آخر نفس له “.
نحن غير موجودين ، أتابع التلفزيون ولكني لا أرانا .. لا يتحدث عنا أحد
وأضافت زوجة ضحية آخر ” يوم السبت الساعة 11:20 صباحاً ، سمعت صوت قذيفة هزت العمارة بأكملها ، ثم سمعت نساء وأطفال العمارة يبكون ، نزلت وسألتهم ماذا هناك ؟ قالوا لي قتلوهم ، قلت من ؟ قالوا قتلوا كل الذين كانوا يقفون عند الباب ، كان باب العمارة حينها مغلق من الخارج وفي ( الحوش) كانت هناك دماء ، نظرت من فتحة في الباب ، فرأيت زوجي مرمي في الأرض ، صرخت حتى فتحوا لنا الباب ، كانوا منشغلون بالتصوير بدلاً من اسعافهم ، كان زوجي لا يزال على قيد الحياة ، أسرعت وجلبت بطانية من الشقة ونزلت ووقفت في الشارع للبحث عن سيارة ، وبصعوبة وجدنا صاحب هيلوكس وقف لنا ، ذهبنا إلى مستشفى المؤيد لأنه الأقرب ، عملوا له الاسعافات الأولية ، وكان يستفرغ ، ثم تم نقله إلى مستشفى الثورة بسيارة المستشفى ، وفي مستشفى الثورة تم إدخاله العناية المركزة ونقلوا له دم ، ثم في الساعة الرابعة عصراً قالوا سيخرجونه إلى غرفة العمليات ، لكنه توفي قبل ذلك ، إذا أُسعف على الفور كان أفضل من التصوير”.
وفي حي النهضة تحدث إلينا شقيق أحد القتلى واصفاً مشهد قتل شقيقه ، قال ” يوم السبت 20 سبتمبر حصل إطلاق نار من منزل الجيران الذي اقتحمه الحوثيون واحتلوه على الغرفة الخارجية التي كان ينام فيها أخي ، رأيته مصاب بالرصاص وحاولنا إنقاذه لكنهم كانوا يطلقون الرصاص على كل من يحاول الذهاب إليه ، حتى النساء ، كانت النساء تصرخ بدون فائدة ، ثم اتصلنا بالجيران ، وتحدث الجيران مع ( الحوثيين) فطلبوا منا أن نرفع أيدينا رجال ونساء وأطفال وخرجنا ونحن منهارون ، نحن خرجنا وهم دخلوا البيت مباشرة. لم نخرج إلا بثيابنا التي علينا ، لكنهم دخلوا المنزل واستولوا عليه وبدأوا بإطلاق الرصاص من على أسطحه. حين خرجنا من المنزل لم يسلموا لنا أخي، طلبنا منهم ورفضوا أن يسلموا لنا الجثة ، كانت غرفته تحترق ، أحرقوه بالقذائف بعد أن مات”.
وعلى بعد أمتار من هذه الحادثة وفي نفس اليوم كان هناك قتيلين مدنيين ( صاحب منزل وأحد عماله ) سقطوا بقذيفة ، وروى الشاهد ” الساعة الخامسة ونصف عصراً كان صاحب المنزل في البدروم لأنه رفض الخروج من منزله ، لكن تم ضرب المنزل فهرب ، وكان على وشك صعود السيارة حين أصابت المنزل قذيفة أخرى فمات هو و أحد العمال بالشظايا ، رأيناه وهو في الأرض ميت ، ويوم الأحد الساعة العاشرة صباحاً حاولنا سحب الجثة ولم نستطع ، ثم جاء أحد اقربائه وسحب الجثث ، وكان بجانبهم شخص ثالث أصيب بجروح وأسعفه الحوثيون”.
وفي ذات اليوم والساعة لكن في حي شملان في إحدى الحارات التي انتشر بها مسلحون حوثيون اختارت رصاص طائشة أن تخترق نافذة وبابين مغلقين لتستقر في قلب امرأة في العشرينات مع عمرها داخل بيتها وتقتلها ، تروى لنا قريبتها الحادثة فتقول ” كنا نجلس جميعاً في الحجرة ، وكانت هي أمام الشباك بمحاذاة أحد الأبواب الداخلية ترضع ابنتها ، ثم مرت الرصاصة من النافذة ، إلى الباب الأول ، إلى الباب الثاني ، إلى قلبها ، وكانت كلها مغلقة . صحنا من صوت الرصاصة وكنا نسأل في من هي ؟ في من هي ؟ ردت علينا هي فيني .. هي فيني، وضعت يدها على صدرها بعد أن رمت ابنتها ، ووجهت نفسها باتجاه القبلة وامتدت على ظهرها ، ثم غرغرت بالدم وماتت. اسم طفلتها اصبح مثل اسمها الآن ، ولديها ولد عمره 6 سنوات رأى الحادث واحتضن والدته ، كان يصرخ أمي لا تتركيني سوف أموت بعدك ، الآن يشرح للناس من أين جاءت الرصاصة التي قتلت والدته”.
حارة الليل في ذات اليوم العصيب 20 سبتمبر 2014 م ، شهدت سقوط طفلة عمرها سنتان ونصف بفعل شظية قذيفة اخترقت رأسها ، جدة الطفلة قالت لنا أنها كانت تلعب في الغرفة ووالدتها بجوارها حين سمعوا فجأة صوت اخترق النافذة ليلتفتوا بعدها إلى وجه ريماس وهو مغطى بالدم ، كان والدها يصرخ باكياً في وجهها لكنها لم تستمع لصراخه وفارقت الحياة.
تلك جزء من الروايات التي تعطي نموذجاً بسيطاً عن ضحايا منسيين لم يلتفت إليهم أحد حتى بالاعتراف بوجودهم ، زرت بعد فترة من دخول جماعة الحوثي إلى صنعاء إحدى النساء اللواتي خسرت زوجها وإبنها في حادثة القذيفة التي سقطت خلف ملعب الثورة ، قالت لي : “نحن غير موجودين ، أتابع التلفزيون ولكني لا أرانا .. لا يتحدث عنا أحد”.