حقوقنا أولاً حريتنا دائماً

اليوم العالمي لحقوق الإنسان 2020

December 14, 2020

الاثنين، 14 ديسمبر/ كانون الأول 2020

ريان الشيباني

شهد هامش الحقوق والحريات الهش الذي أشادته التعددية السياسية بعد العام 90، تقويضاً كاملاُ بفعل الحرب الدائرة في اليمن منذ منتصف العام 2014، في ظل تسيّد سلطات تبدو متعددة الرؤوس لكن يشوب ممارساتها سلوك متعجرف واحد عندما يتعلق الأمر بالحياة العامة وحقوق المدنيين وحرياتهم.

يوم عن يوم، تختفي ظواهر وسمات مدنية، كانت قبل هذه السنوات مؤشراُ على أن دولة سيادة القانون ممكنة التحقق، ليحل محل ذلك لون واحد من التعبير العنيف وخطاب الكراهية الذي يتخذ من الماضي وقوداً لتحريك دفة البلد إلى الوراء سنوات سحيقة.

فخلال الثلاثة العقود الماضية، التي شهدت وحدة البلاد، ومن ثم صدور قوانين خاصة بالأحزاب والنقابات، تمكّنت الصحف الحزبية والأهلية من منافسة الجرائد التي كانت تصدرها الحكومة، واستطاعت أن تلقي الضوء على الظواهر السلبية التي صاحبت أداء السلطات الحاكمة، كما خلقت نوع من المعارضة البناءة التي من شأنها الحد من الفساد والمحسوبية في الجهاز العام. تعرض هذه الهامش الصحفي لحملات قمع وتضييق في فترات متباينة، لكنه لم يصل إلى الحد الذي شهده الوضع بعد منتصف العام 2014.

على مدى ما يقارب الست سنوات، بعد هدم الدولة اليمنية، وإقامة دول “الأمر الواقع” دأبت الأطراف المتنازعة، على وضع الصحف والصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام قيد ممارساتها البشعة، وارتكبت بحقهم أنماط مختلفة من الانتهاكات، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب والمعاملات المسيئة والمهينة وتقييد حرية الطواقم الإعلامية ومصادرة الصحف الورقية.

وبالإضافة إلى الظروف الحرجة التي تحيط ببيئة العمل الصحفي، أسهمت الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الحرب في توقف غالبية المؤسسات الصحفية الإعلامية ومن ذلك تلك المملوكة للدولة، إذ يعاني ما يقارب من ألف صحفي وصحفية يعملون في وسائل الإعلام الحكومي من أزمة إنسانية ومعيشية خانقة تهدد حياتهم وحياة عائلتهم، بحسب ما ذكر الاتحاد الدولي للصحفيين.

وسجّل مؤشر حرية الصحافة لعام 2020 وفق التصنيف السنوي لمنظمة “مراسلون بلا حدود” تراجع اليمن خانة واحدة لتحتل المرتبة 167 عالمياُ من أصل 180 دولة يشملها التصنيف، كما تقول المؤشرات أن اليمن ما يزال أحد البلدان الأصعب لمهنة الصحافة والأكثر خطورة على حياة الصحفيين.

وبالرغم من أن ملف الصحفيين المحتجزين لدى جماعة أنصار الله (الحوثيين) شهد تقدماً، في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2020، بإطلاق سراح خمسة صحفيين ضمن صفقة واسعة لتبادل المحتجزين بين الحكومة المعترف بها دوليا وجماعة أنصار الله، وهم: هشام طرموم، وهشام اليوسفي، وهيثم عبدالرحمن الشهاب، وعصام أمين بالغيث، وحسن عنّاب، إلا أن الجماعة لا زالت تحتجز تسعة آخرين على الأقل.

وقالت مؤخراً أسرة الصحفي توفيق المنصوري المحتجز منذ أكثر من خمس سنوات في تصريحات إعلامية أن صحته تدهورت وأصيب بأمراض خطيرة، منها روماتيزم القلب والفشل الكلوي والربو، جراء تعرضه لأساليب وحشية من التعذيب النفسي والجسدي وسوء التغذية وانعدام الرعاية الصحية ومنع الزيارة لعدة فترات.

وفي 3 يونيو/حزيران 2020، قالت لجنة حماية الصحفيين نقلاً عن مصدر في نقابة الصحفيين اليمنيين إن مجموعة مسلحين يرتدون ملابس عسكرية أقدموا على قتل الصحفي نبيل القعيطي الذي كان يعمل مراسلا ومصورا مع وكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس) منذ عام 2015، بعد أن فتحوا عليه النار من أسلحتهم أثناء خروجه من منزله بحي دار سعد بمدينة عدن.

ويكفل القانون الدولي الإنساني حماية الصحفيين بوصفهم مدنيين، حيث لا يمكن استهدافهم طالما امتنعوا عن المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية، كما يقتضي القانون الدولي لحقوق الإنسان صون الحق في حرية التعبير بما يلبي حماية الصحفيين لكي لا يكونوا عرضة لأي من أشكال العنف.

حرية التنقل

شهدت اليمن خلال السنوات الأخيرة من الحرب، قيوداً مشددة على حق الناس في التنقل والسفر سواء بين المحافظات اليمنية أو إلى خارج حدود البلد، بعد أن أباحت أطراف النزاع لنفسها حق تفتيش الناس وإيقافهم في النقاط الأمنية على الطرقات، وتوجيه تهم باطلة لهم بناء على مناطقهم أو ألقابهم أو وجهتهم. كما أعطت لنفسها حق احتجازهم لساعات طويلة، وفي حالات أخرى أخذهم إلى أماكن احتجاز وإخفاؤهم فيها. علاوة على الانتهاكات التي تتم لأغراض الابتزاز المادي والتكسب غير المشروع وفرض الإتاوات غير القانونية.

ووثقت “مواطنة” خلال العام 2019 فقط، 29 واقعة تقييد حرية التنقل بين مناطق يمنية مختلفة. وتتحمل جماعة أنصار الله (الحوثيون) مسؤولية 17 واقعة منها، كما تتحمل القوات الحكومية التابعة لهادي ارتكاب 8 منها، في حين يتحمل المجلس الانتقالي الموالي للإمارات مسؤولية ثلاث وقائع، وتبقى واقعة واحدة على الأقل مشتركة بين جماعة الحوثيين والقوات الحكومية.

ولا يزال مطار صنعاء الدولي مغلقاً منذ أغسطس/ آب 2016، ما يضطر المسافرون إلى السفر براً لساعات طويلة للوصول إلى مطاري عدن أو سيئون، ومن ثم السفر جواً إلى وجهاتهم خارج اليمن.

وبالنظر إلى مشقة السفر براً إلى مطار سيئون، على سبيل المثال، والإجهاد الشديد للمريض جراء طبيعة وطول الطريق التي يقطعها المسافرون اليوم من صنعاء الى سيئون، فإن المسافر من صنعاء سيصل بعد 24 ساعة ضمن ركاب حافلات النقل. أما المسافرون من الحديدة (في أقصى الغرب) أو صعدة (في أقصى الشمال)، فإنهم سيصلون الى مدينة سيئون على الأرجح بعد يوم ونصف أو يومين.

طريق بعيدة، معظمها تفتقر الى الصيانة، وأجزاء واسعة منها غير أسفلتية. وعلى طول هذه الطريق، التي تمر عبر خمس محافظات (صنعاء، ذمار، البيضاء، مأرب، حضرموت)، وتتخللها جبال ووديان وصحاري، توجد قرابة 30 نقطة أمنية من جميع أطراف الحرب المتقاتلة، تُوقف المسافرين بشكل متتابع على طول الطريق وتتعمد تأخيرهم.

ويكفل القانون الدولي لحقوق الإنسان حرية المدنيين في التنقل والحركة كأحد حقوقهم الأساسية، ويبقى هذا القانون ساريا حتى في زمن النزاعات المسلحة، كما ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على “حق الفرد في التنقل وحرية اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة”.

التجمع السلمي

شهدت أشكال التجمع والتعبير السلمي في اليمن، خلال سنوات الحرب الأخيرة، إضمحلالاً مع تفشي حالة القمع العنيف ومحاصرة حق الناس بالمطالبة بحقوقهم، أو منعهم من الاحتجاج على تردي الوضع المعيشي والأمني في المناطق التي يقطنونها.

وبالرغم من أن أطراف النزاع تبيح لنفسها تجميع الناس وتحشيدهم لأسباب واهية عدة، إلا أنها لجأت في كثير من الأحيان إلى مصادرة الحق المستقل في التعبير عما يريدونه أو يرفضونه. وفي السنوات الأخيرة وثقت “مواطنة” كثير من وقائع قمع تجمعات سلمية ومظاهرات في محافظات يمنية مختلفة. وتكاد أن تكون جميع أطراف النزاع مشتركة في هذا النمط من الانتهاك الممنهج.

ويكفل القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي لا يسقط بالنزاعات المسلحة، الحق في التجمع والتظاهر السلمي. ويشير الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “لكل شخص الخق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية”. وينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المصادق عليه من اليمن على أن يكون “الحق في التجمع السلمي معترفا به، ولا يجوز أن توضع قيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون”.

الأقليات الدينية

بعد سنوات من الاضطهاد والمطاردة، شهد ملف الطائفة البهائية في اليمن، تقدماً ملحوظاً، إلا أنه يبقى غير كاف للحفاظ على حقهم في حرية العبادة والممارسة الدينية. ففي تاريخ 23 مارس/أذار 2020 أيدت محكمة الاستئناف في صنعاء حكم الإعدام الصادر بحق حامد حيدرة، بعد محاكمة مطولة غير عادلة دامت قرابة خمس سنوات، غير أن مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي لجماعة أنصار الله (الحوثيين) أعلن في 25 مارس/أذار 2020 عن اعتزام الجماعة الإفراج عن جميع السجناء البهائيين، والعفو عن حيدرة.

وفي بيان صحفي يوم الخميس 30 يوليو/تموز 2020 أعلن المجتمع البهائي الدولي في بيان أنه تم إطلاق سراح ستة من البهائيين البارزين من السجن بعد احتجازهم لعدة سنوات من قبل سلطات “الحوثيين” في صنعاء. وبالرغم من أنه تم نقل المفرج عنهم بطائرة من صنعاء إلى خارج اليمن، إلا أن المحكمة الجزائية المتخصصة بصنعاء فاجأت الجميع، في نهاية أغسطس/آب 2020 باستمرارها في محاكمة 24 بهائيا بينهم الأشخاص الذين تم اسقاط التهم عنهم ونقلهم إلى الخارج.

إن العمل على تعزيز وإرساء ثقافة حقوق الإنسان في اليمن، أصبحت مسألة ملحة، لعمل حد لسلوك الجماعات والسلطات التي تعمل خارج إطار القانون، ولإيقاف انتهاكاتهم التي من شأنها تقويض الحقوق والحريات العامة، لنبقي على حقوقنا أولاً والتي نأمل ونسعى لأن ننال حريتنا دائماً، على أساسها.