عبوة سائبة تفترش المرعى
عشية يوم الأربعاء 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، خرجت الطفلة نعمه عبد الله (8 سنوات)، وشقيقها سالم (12 سنة)، وعباد (6 سنوات) لرعي الأغنام، وهي المهنة التي يقوم عليها دخل معظم سكان قرية "الرويس" بمديرية الرحبة – محافظة مأرب.
اعتاد الأطفال الثلاثة (نعمة، عباد، سالم)، على البحث عن أي شيء يجدونه على الأرض يصلح للعب، غير مدركين المخاطر التي قد تكون ضريبتها حياتهم، خصوصًا أن المنطقة التي يقومون بالرعي فيها، كانت مسرحًا لمواجهات عنيفة بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) وقوات الحكومة المعترف بها دوليًا خلال الفترة 2021 – 2022، خلَّفتْ الكثير من الأجسام المتفجرة وبقايا الأسلحة بتلك المناطق.
عشية ذلك الأربعاء المتجهم، وبينما كانت الشمس تتأهب للغروب، عثرت الطفلة "نعمة" على جسمٍ غريب يشبه قنينة الماء، ومصممًا ليبدو على شكل الأحجار المشابهة للواقع؛ أثارت فضولها نادتْ شقيها "سالم" لتخبره بالأمر، أخذ سالم يُقلّب الجسم الغريب بين يديه، قرر أخيرًا أن يضرب به على الحجر التي يقف فوقها ليرى ما بداخله، وإذا بكمية من البارود تخرج منه.. ضربةٌ أخرى، وربما ثالثة.. يشتعل البارود من داخل العبوة المموهة، يندلع اللهب ويمتد إلى سالم!
يرى الموقف شقيقه الأصغر (عباد) الذي كان على بعد نحو 10 أمتار من أخيه، يندفع إليه لإنقاذه في موقفٍ فدائي، ثم ما هي إلا ثوانٍ حتى تنفجر العبوة المموهة في الأخوين (سالم وعبَّاد)، محدثةً دويًّا تردد أصداؤه في الجبال المحيطة.
على بُعد نحو 2 كم، يسمع أهالي المنطقة صوت الانفجار، يهرعون إلى المكان لاستطلاع ما حدث؛ وجدوا الأطفال الثلاثة في حالة مروعة؛ كان سالم قد فارق الحياة وصار جثةً متفحمة، وأخيه عباد مبتور اليد اليمنى من منطقة العضد.. هو الآخر فارق الحياة عقب الانفجار. "نعمة" أيضًا لم تنجُ، فجميعهم كان ممزق الجسد من جراء الشظايا، لكنها كانت ما زالت على قيد الحياة.
تم نقلهم إلى مستشفى 26 سبتمبر بمنطقة "الجوبة"، كان والدهم يرى مأساته أمامه؛ سالم يشاهد طفليه (سالم وعباد) جثتان بلا حراك؛ أحدهما متفحم الجسد والأخر متبور اليد.. يرى أيضًا ابنته "نعمة" تصارع الموت ليقرر الأطباء تحويلها إلى مستشفى من الدرجة الأولى بالعاصمة صنعاء، وهذه بحد ذاتها كارثة اقتصادية تتجاوز مقدرة الأب على تحمل تبعاتها بسبب تدني دخله وعدم قدرته على دفع تكاليف العلاج، ليجد نفسه أمام الخيار الصعب، يقرر أن يترك الأمر للقدر، وهو أن تبقى في مستشفى 26 سبتمبر ذي الإمكانيات الطبية المحدودة،
كانت "نعمة" ستواجه قدرها في ذلك المستشفى، لولا أن منظمة دولية تكفَّلت بدفع تكاليف علاجها بالكامل، حيث تم اسعافها -رفقه أحد أقاربها- إلى مستشفى جامعة العلوم والتكنلوجيا بصنعاء، لتعود الطفلة نعمة من صنعاء بعد أيام من الإصابة لتعيش بقية حياتها بعاهة دائمة؛ بعين واحدة، لا يفارقها مشهد أخويها بعد الانفجار، وقد كانت معهم قبلها بلحظات تقاسمهم الضحكات وتشاركهم اللعب.
تطالب مواطنة لحقوق الإنسان جماعة أنصار الله “الحوثيين" بالوقف الفوري لزراعة الألغام بأنواعها المختلفة، والأجسام المتفجرة ، وتسليم خرائط الأماكن الملوثة بالألغام والعمل على تطهيرها للحد دون سقوط المزيد من الضحايا المدنيين ، وتأمين حياة السكان العائدين إلى مناطقهم وبيئاتهم الأصلية، كما تدعو مواطنة المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات فعالة للضغط على الجماعة للتوقف عن سلوكها في زراعة الألغام والإسراع في تطهير الأماكن الملوثة، وتشكيل آلية تحقيق دولية ذات طابع جنائي تضمن محاسبة المُنتهِكين ومساءلتهم، والانتصاف للضحايا.