تتمتع السلطات المصرية بسجل حافل في تنفيذ أنماط من الأعمال الانتقامية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان بسبب عملهم المشروع، بما في ذلك العمل بالإجراءات الخاصة للأمم المتحدة، وشملت هذه الحالات عمليات الاعتقال والاحتجاز التعسفيين، والاختفاء القسري، والتعذيب، والمراقبة غير القانونية، والتهديدات، والاستدعاء من قبل أجهزة الأمن بغرض الاستجواب.
قيادة العمل المشترك لمعالجة أزمات حقوق الإنسان في مصر
في الدورةالسادسة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة
السادة الوزراء،
نكتب لكم هذه الرسالة لحث حكومتكم على قيادة العمل الجماعي في الدورة السادسة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (المجلس) وإنشاء آلية للرصد والإبلاغ عن حالة حقوق الإنسان في مصر.[i]
نحن في منعطف حرج بالنسبة لمنظمات حقوق الإنسان والنضال الأوسع من أجل حقوق الإنسان في مصر. إن عمليات الاعتقال والتحقيق المروعة الأخيرة لكبار موظفي منظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (EIPR) وتجميد أصولهم في إجراءات محكمة «دائرة الإرهاب» المسيئة تمثل هجوما مقيتًا وغير مقبول ضد إحدى المنظمات الرائدة في مجال حقوق الإنسان في البلد، كما يوضح تصميم الحكومة المصرية على تصعيد هجماتها المستمرة والواسعة النطاق والمنتظمة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والحيز المدني في مصر.
وفي حين أن الإفراج الأخير عن ثلاثة من موظفي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (EIPR)، الذين لم يكن ينبغي إلقاء القبض عليهم في المقام الأول، يسعد قلوب أسرهم وأصدقائهم، إلا أنه لا يزال هناك موظف رابع للمنظمة (EIPR) محتجزاً ولا تزال المنظمة تتعرض للهجوم. ولا تزال التهديدات التي تتعرض لها منظمات حقوق الإنسان المستقلة الأخرى مستمرة، حيث يواجه المدافعون عن حقوق الإنسان عمليات الاعتقال والاحتجاز التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري والملاحقة القضائية وحظر السفر لمجرد الدعوة إلى حقوق الإنسان.
ومع ذلك، فإن الإفراج عن الموظفين الثلاثة في منظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (EIPR) بعد أسبوعين من إعتقالهم يدل على التأثير الذي يمكن أن يحدثه الضغط الدولي المنسق والعام، وبالتالي يخلق فرصة لحماية الأفراد والمنظمات والمجتمع المصري الأوسع لحقوق الإنسان.
وقد حذر المجتمع المدني لسنوات من أن الحكومة المصرية تحاول القضاء على منظمات حقوق الإنسان والقضاء على حركة حقوق الإنسان في البلاد. فالهجوم الذي وقع مؤخراً على منظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (EIPR) ليس سوى آخر مثال على ذلك، وتذكيراً حقيقياً بأن السلطات المصرية يمكن أن تقوم بإغلاق المنظمات القليلة المتبقية لحقوق الإنسان وأن المدافعين عن حقوق الإنسان يعيشون في ظل تهديدات مستمرة بالاحتجاز التعسفي. ولا بد من الطعن في هذا النمط المستمر الذي دام ما يقرب من عقد من الزمن من أشكال القمع الوحشية المتزايدة وإلا فإننا سنشهد تصعيدا آخر.
ويبدو أن تقاعس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن أزمات حقوق الإنسان في مصر قد شجع الحكومة في جهودها لإسكات المعارضة وسحق المجتمع المدني المستقل. فالمجتمع الدولي يستطيع من خلال العمل المشترك في الجلسة المقبلة أن يبعث برسالة واضحة تفيد بأن مثل هذا الهجوم غير مقبول وسيترتب عليه تكاليف كثيرة، ولا يمكننا ضمان بقاء الحركة المصرية لحقوق الإنسان في الفترة المقبلة إلا من خلال العمل الدولي المستمر والجاد.
ومن شأن هذا الإجراء أيضا أن يساعد كثيرا في الجهود الرامية إلى حماية وضمان الإفراج عن المدافعين المصريين الآخرين عن حقوق الإنسان المسجونين ظلمًا وغيرهم من سجناء الرأي، الذين لا يزالون محتجزين على ذمة التحقيق قبل المحاكمة إلى أجل غير مسمى تقريبا بتهم ملفقة، ويواجهون مخاطر شديدة على حالتهم الصحية في سجون مصر المكتظة وغير النظيفية بسبب جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) ونقص الرعاية الطبية أو الحرمان منها.
كما أن المدافعات عن حقوق الإنسان يُستهدَفن ويواجهن تهديدات متزايدة بسبب عملهن. ومن بين المدافعين عن حقوق الإنسان الذين تم إحتجازهم لفترات طويلة على ذمة التحقيق، المحامي محمد الباقر ومدير مركز عدالة للحقوق والحريات، والصحافيين إسراء عبد الفتاح وسلافة مجدي، وإبراهيم عز الدين، باحث في حقوق الإسكان في اللجنة المصرية للحقوق والحريات وباتريك زكي، باحث في مجال حقوق النوع الإجتماعي في منظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (EIPR).
ينبغي للمجلس، تحت قيادتكم، أن يدفع من أجل الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين بسبب ممارستهم حقوقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمعات السلمية، والمساهمة في التأثير على الإرادة السياسية للسلطات المصرية لتحسين وضع حقوق الإنسان.
وقد التزمت حكومتكم بتحمل القيادة والمسؤولية في بدء عمل المجلس عند استيفاء معايير حقوق الإنسان. ومصر تستوفي هذه المعايير، ونحن نحثكم بقوة على العمل الآن.
مصر مثال رمزي لكيفية استخدام الحكومات لستار مكافحة الإرهاب لقمع المجتمع المدني. وقد أعرب خبراء الأمم المتحدة عن قلقهم إزاء الآثار الجماعية والهدامة لقوانين وممارسات مكافحة الإرهاب في مصر على تعزيز وحماية حقوق الإنسان، وحذروا من أن مصر تستخدم “دائرة الإرهاب” التابعة للمحاكم الجنائية لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان وإسكات المعارضة وحبس النشطاء خلال جائحة كوفيد-19.
إن سوء استخدام مصر لمكافحة الإرهاب لا يتوقف على المستوى الوطني فحسب، بل تسعى إلى تقويض نظم حقوق الإنسان الدولية والأفريقية. وما زلنا نشعر بقلق بالغ إزاء الآثار المدمرة على الفضاء المدني على الصعيد العالمي إذا تم تصدير سياسات مصر إلى منظومة الأمم المتحدة ودول أخرى. وباستخدام مصر كمثال على ذلك، سلطت الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة الضوء على “الحاجة الماسة للدول إلى محاسبة الدول الأخرى التي تستغل قوانين مكافحة الإرهاب والأمن”.
تتمتع السلطات المصرية بسجل حافل في تنفيذ أنماط من الأعمال الانتقامية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان بسبب عملهم المشروع، بما في ذلك العمل بالإجراءات الخاصة للأمم المتحدة، وشملت هذه الحالات عمليات الاعتقال والاحتجاز التعسفيين، والاختفاء القسري، والتعذيب، والمراقبة غير القانونية، والتهديدات، والاستدعاء من قبل أجهزة الأمن بغرض الاستجواب.
أظهر رفض الحكومة معالجة الشواغل الرئيسية التي أثارتها الدول في ردها على الاستعراض الدوري الشامل UPR في آذار/ مارس 2020 افتقارها إلى الإرادة السياسية للتصدي للتحديات العميقة التي تواجهها والمشاركة البناءة مع المجلس. ولا تزال مصر ترفض استقبال زيارات المقررين الخاصين المعنيين بالتعذيب والمدافعين عن حقوق الإنسان.
وحذر خبراء الأمم المتحدة من أن ظروف الاحتجاز الكارثية المقترنة بالحرمان من الرعاية الصحية الكافية قد عرّضت حياة المحتجزين وصحتهم للخطر. وعلى الرغم من ذلك، رفضت السلطات المصرية باستمرار السماح لمراقبين مستقلين بدخولهم إلى السجون وغيرها من مرافق الاحتجاز.
إن عدم الشروع في إجراء المجلس بشأن الوضع في مصر في الدورة السادسة والأربعين للمجلس سيبعث برسالة خطيرة إلى الحكومة المصرية مفادها أن بإمكانها مواصلة تصعيد حملتها ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات وانتهاك الحريات الأساسية و حقوق الإنسان لمواطنيها ومع الإفلات من العقاب.
[i] حظيت هذه الرسالة بدعم أكثر من مائة منظمة رائدة في مجال حقوق الإنسان من جميع أنحاء العالم. غير أنه نظرا للمخاوف الأمنية لبعض المنظمات التي أيدت هذه الرسالة، لن يتم نشر القائمة الكاملة للموقعين عليها.