أجسادٌ غضّة في سعير الحرب
قالت مواطنة لحقوق الإنسان، في بيانٍ لها، بالتزامن مع اليوم العالمي لمكافحة استغلال الأطفال كجنود، إنّ جميعَ أطراف النزاع في اليمن، قد عَمِدتْ منذ اندلاعه أواخر عام 2014، إلى تجنيد واستخدام الأطفال بشكلٍ واسع النطاق في القتال، أو استخدامهم في مهام أخرى، حيث وثَّقتْ مواطنة، خلال الفترة من 2014 حتى ديسمبر 2023، نحو 1238 واقعة تجنيد أو استخدام للأطفال؛ منها 1184 واقعة تجنيد ذكور، و54 واقعة تجنيد إناث. وتورطت بهذا الانتهاك جميعُ أطراف النزاع، منهم 861 طفلًا (810 ذكور، و51 من الإناث)، جنَّدَتْهم جماعة أنصار الله (الحوثيين)، فيما جنَّدت القواتُ الحكومية 212 طفلًا (210 ذكور، و2 من الإناث)، و127 طفلًا (126 ذكور، وفتاة واحدة) جنّدتهم قواتُ المجلس الانتقالي، في حين جنَّدت القواتُ المشتركة 18 طفلًا، وجنَّدت قواتُ التحالف بقيادة السعودية والإمارات 20 طفلًا.
قالت رضية المتوكل، رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان: "إنّ هذه المعدلات الكبيرة لتجنيد واستخدام الأطفال مؤشرٌ مظلم للمستقبل؛ ينبغي على كل الأطراف احترام المواثيق والقوانين الدولية، وتجنيب الأطفال صراعات الكبار"، وأكّدت المتوكل على ضرورة تعزيز التدابير الوطنية والدولية الرامية إلى منع وتجريم تجنيد الأطفال من قبل قوات أو جماعات مسلحة، واستخدامهم في الأعمال القتالية التي تضمّنها اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية واتفاقية حقوق الطفل، باعتبار حماية ورعاية الأطفال مسؤولية دولية ووطنية في آن.
قال أحد الأطفال المجنَّدين لـ"مواطنة": "في سبتمبر 2018، حين كنتُ في الثانية عشرة من العمر، تركتُ المدرسة نتيجة العنف الذي كنت أتعرض له من المعلِّمين، كنت أذهب إلى مقر جماعة أنصار الله وأعمل معهم مسؤولًا عن المدد؛ أُحضر الماء والقات والطعام على متن (دراجة نارية)، وكان مقر الجماعة قرب منزلي.
حضرتُ حينها دورةً ثقافية في مديرية "الحيمة الخارجية" مدة شهر ونصف، ثم أخذت دورة ثقافية أخرى في صعدة مدة سبعة أشهر، بعدها تم اقتيادي إلى جبهة القتال في مديرية "نِهم" مدة شهر، ثم ذهبت إلى منطقة "نجران" بمحافظة صعدة، وهناك أُصبت أولَ إصابةٍ بقذيفة هاون، تسبّبت لي بشظايا في العين اليمنى وفقدتها، وشظايا في جبيني أعلى العين اليمنى لا يمكن إزالتها؛ لأنها ربما تتسبّب في تلف عيني اليسرى، وشظايا في كتفي الأيمن وفي كف يدي اليمنى".
وأضاف الطفل: "بعد الإصابة الأولى بفترة وجيزة، عُدت مرة أخرى إلى جبهة القتال في صرواح، وأصبتُ للمرة الثانية أيضًا، جرَّاء قصفٍ مدفعيّ بقذائف هاون، بشظايا سبّبت لي كسورًا في الفخذ اليسرى، أما الرِّجل اليمنى فتم بترها من الركبة، إضافة إلى شظايا عميقة في البطن وفي كتف اليد اليمنى، وإصابة في عضد اليد اليسرى".
قال أحد شهود العيان لـ"مواطنة": "في يوم الثلاثاء 15 سبتمبر/ أيلول 2020، تم تجنيد ابن أخي، وهو طفلٌ في الرابعة عشرة من العمر، في محافظة الجوف؛ للقتال ضد جماعة أنصار الله حتى توفي.
تم تدريبه على القتال من قبل قيادة اللواء (101 مشاة) التابع للقوات الحكومية، حيث تلقى الطفل التدريبات العسكرية مدة أربعين يومًا تقريبًا في أحد المعسكرات بمنطقة في الجوف، وبعدها تنقَّل الطفل بين الجبهات للقتال بصفوف القوات الحكومية ضدّ الحوثيين. وفي يوم الإثنين 20 يونيو/ حزيران 2022، انفجر لغمٌ أرضيّ أثناء مرور سيارة عسكرية تُقِّلُ جنودًا من بينهم ابن أخي في الطريق الصحراوي، وأدّى إلى وفاة جميع مَن في السيارة العسكرية، وإصابة الطفل بشظايا في رأسه، وبكسور في الظهر والساق اليمنى، نُقل على إثرها إلى مستشفى الهيئة في محافظة مأرب، وبعدها نُقل للعلاج بمستشفى "شرورة"، بالمملكة العربية السعودية، وكان في حالة غيبوبة مستمرة دامت ثلاثة أشهر حتى تُوفِّي. كان ابنُ أخي وحيدَ أسرته من الذكور، وكانت الخسارة كبيرة".
تجنيد فتاة من محافظة لحج
يقول محمد أحمد (اسم مستعار)، من محافظة لحج: "في أحد الأيام أخبرني أحد أقاربي، الذي يعمل ضمن قوات الحزام الأمني، أنهم بحاجة إلى موظفة للعمل بنقطة تفتيش عسكرية، فقررنا إلحاق زوجتي للعمل بالنقطة العسكرية لأجل الحصول على راتب شهري نعتاش منه. وفي مطلع العام (2020)، أخبرتنا زوجتي أنّ المسؤولين في نقطة التفتيش بحاجة إلى موظفة أخرى للعمل بنقطة التفتيش في حال أخذَتْ إجازة، وكانت ابنتي سمية (اسم مستعار- 14 عامًا)، أحد الخيارات للعمل مع والدتها بتلك النقطة العسكرية؛ قررنا تسجيلها بعد أن تركت المدرسة؛ من أجل الحصول على مصدر دخل للإنفاق على الأسرة وسداد الديون التي علينا. إن تجنيد ابنتي ليس بالعمل الجيد، وهو غير مناسب لعمرها؛ إذ تعمل بجهد كبير وساعات عمل طويلة تصل إلى 12 ساعة في اليوم، وهذا ضغط عمل وجهد كبير عليها، لكننا مضطرون لذلك، نتيجة الفقر والعوز!".
وأضاف والد الطفلة: "في حال فُتِحت المدارس، لا أستطيع إعادة ابنتي للدراسة وترك وظيفتها الحالية ونحن في هذا الوضع المعيشي، إلا في حال تحسّنت أوضاعنا وحصلتُ على فرصة عمل أستطيع من خلالها استيعاب مصاريف عائلتي".
قالت مواطنة، إنَّ تجنيد واستخدام الأطفال دون الثامنة عشرة من العمر للعمل بوصفهم جنودًا، أمرٌ محظور بموجب القانون الدولي الإنساني، وطبقًا للمعاهدات والأعراف، كما يتم تعريفه بوصفه جريمة حرب من جانب المحكمة الجنائية الدولية، ويمنع البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل قيامَ المجموعات المسلحة في أيّ ظرف من الظروف، بتجنيد أو استخدام الأشخاص دون سن الثامنة عشرة في الأعمال الحربية.
فبحسب البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة، فإنّ على الدول الأطراف اتخاذ جميع التدابير الممكنة عمليًّا لضمان عدم اشتراك أفراد قواتها المسلحة الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة من العمر، اشتراكًا مباشرًا في الأعمال الحربية.
وبناء على ما وثّقته مواطنة، على امتداد سنوات الحرب، فإنّ الأوضاع الاقتصادية المتردية، سببٌ رئيسي لتجنيد واستخدام الأطفال؛ حيث يدفع الفقرُ بعضَ الأُسَر إلى تجنيد أطفالها لتوفير مصدر دخل يضمن الحدّ الأدنى من احتياجات البقاء الضرورية. وحتى مطلع عام 2024، ما زالتْ وتيرة تجنيد الأطفال من قبل أطراف النزاع قائمة.
تدعو مواطنة لحقوق الإنسان، جميعَ الأطراف إلى التوقف الفوري عن تجنيد الأطفال وإطلاق سراح المحتجزين منهم، وتأهيلهم نفسيًّا واجتماعيًّا؛ لإعادة إدماجهم في المجتمع. كما توصي كافةَ الجهات والمنظمات الدولية ذات العلاقة، بالقيام بمسؤولياتها، بمنع هذه الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها.