سعادة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن
السيد / إسماعيل ولد الشيخ أحمد المحترم
السادة / ممثلو الأطراف اليمنية في لقاء الكويت المحترمون
تحية طيبة وبعد ،
بداية يسعدنا في منظمة مواطنة لحقوق الإنسان أن نحيي كل جهد من أجل وقف الحرب وإحلال السلام في اليمن مُتمنين أن تصل هذه الجهود إلى اتفاق سلام بين أطراف النزاع ومختلف القوى السياسية اليمنية.
وفي هذا الصدد استقبلنا باهتمام الإعلان عن الاتفاق بين الأطراف المختلفة على وقف جديد لإطلاق النار في اليمن من تاريخ 10 ابريل الجاري ، علاوة على استئناف المسار السياسي بجولة جديدة من المفاوضات تعقد في الكويت من تاريخ ١٨ إبريل2016م.
واعتماداً على هذه الفرصة المهمة ، وحيث أن المؤشرات تدعم احتمالية الوصول إلى اتفاق سياسي في هذه الجولة من المفاوضات وبشكل يكفل إنهاء الحرب ووقف النزيف الدامي في اليمن ، كان لابد لنا من أن نحثكم جميعا على أن تنصت هذه المفاوضات السياسية لأصوات ضحايا النزاع في اليمن، وأن تكون أولويات حقوق الإنسان ماثلة بوضوح على الطاولة التي تجتمعون عليها من كافة الأطراف السياسية.
و يُهمنا هنا التذكير بالأولويات التالية ليتضمنها أي اتفاق قادم , والتي نؤمن بأنها ستساعد على نجاح أي اتفاق سياسي على المدى البعيد وتعززه أخلاقيا وإنسانيا :
لقد شهدت وتشهد فصول الصراع العنيف المستمرة منذ أكثر من عامين في اليمن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان من قبل كل الأطراف، حيث قُتل وجرح الآلاف من المدنيين ، وحتى الآن لا يبدو أن هناك أي توجه جدي للتحقيق فيها بشكل يضمن حفظ حقوق الضحايا وإنصافهم ، وقد تم إهدار فرصة مثالية لتشكيل لجنة تحقيق دولية في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن , وذلك بعدم توفر الدعم الدولي الكافي للمقترح الهولندي , وهو الأمر الذي دفع هولندا لسحب مقترحها المقدم لمجلس حقوق الإنسان بجنيف في دورة سبتمبر 2015 ، ولهذا يجب أن يضمن أي اتفاق سياسي التزام كل الأطراف بالموافقة على آلية دولية محايدة للنظر في كافة وقائع الانتهاكات لحقوق الإنسان التي حدثت أثناء فترة النزاع ، ومن أجل جبر ضرر الضحايا وذويهم وإنصافهم وتعويضهم .
لقد شهدت اليمن خلال هذه الحرب طفرة غير مسبوقة في ارتكاب جريمة الاختفاء القسري من قبل كافة الأطراف المتورطة في الحرب ، وقد وثقت منظمة مواطنة العشرات من وقائع الاختفاء القسري في معظم المحافظات اليمنية البعض منها لا تزال مستمرة حتى الآن ، ولهذا يجب أن تكون من أولويات هذه المفاوضات التزام الجميع بكشف مصير المختفيين قسرياً وإطلاق سراحهم بشكل عاجل دون أي تردد ومحاسبة كافة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
بالإضافة لذلك ترث اليمن ملفاً شائكاً ومعقداً لعشرات – وربما المئات – من حالات الاختفاء القسري من ضحايا دورات الصراع السياسي منذ عام 1962 , في الشمال والجنوب , ثم بعد إعلان الوحدة (مايو1990) وحتى اليوم ، وتمثل هذه القضية جريمة مستمرة شاركت فيها – بعدم المبادرة لمعالجتها والتواطؤ على إسكاتها – كل الإدارات السابقة والمتعاقبة لتصبح بذلك شريكة في أعمال تُصنف كجريمة ضد الإنسانية ، ومن هنا فإن أمام اليمن في حال إنجاز خارطة طريق للسلام تنتجها هذه المفاوضات فرصة جديدة لمعالجة هذا الملف معالجة عادلة وشاملة , وإنهاء معاناة الضحايا (المختفين وذويهم) بمباشرة إجراءات تعالج هذا الملف ، بوقف الجريمة والكشف عن السجون السرية وإغلاقها ضمن معالجة شاملة والكشف عن مصير جميع المخفيين ، وضمان عدم تكرار مثل تلك الانتهاكات الجسيمة.
شكلت وقائع الاعتقالات التعسفية خارج القانون السمة الأبرز لسلوك الأطراف المشتركة في النزاع كل في المناطق الخاضعة لسيطرته ، وقد وثقت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان اعتقال العشرات من المواطنين بالمخالفة للقانون ، في مختلف المناطق اليمنية ومن قبل مختلف الأطراف ، وتعرض الكثير من هؤلاء لضروب من المعاملة القاسية والمهينة ، وكان اعتقالهم في الغالب بسبب آرائهم وانتماءاتهم السياسية أو نشاطهم المدني ، ومن بين المعتقلين ناشطون سياسيون وصحفيون وناشطون في المجتمع المدني ، وفي ذلك يجب حث الجميع على ضمان إطلاق كافة المعتقلين خارج القانون ، وعدم إخضاع هذا الأمر للتفاوض السياسي , بل اعتباره حقا إنسانيا أصيلا لا يمكن تجاوزه ، علاوة على ضرورة محاسبة الجهات القائمة على هذا الانتهاك.
منذ بدء الأزمة في اليمن قبل اندلاع القتال ومروراً بالفترة التي استغرقتها الحرب حتى هذه الجولة المعلنة من المفاوضات المنعقدة في 18 ابريل 2016، تعددت الحالات المعلن عن تعرضها للتعذيب وكافة أشكال المعاملة الحاطَة من الكرامة والتي أفضت في بعضها للوفاة ، هناك العشرات من السياسيين والصحفيين والناشطين والمواطنين ممن تعرضوا للاعتقال التعسفي والإخفاء القسري أفصحوا عن تعرضهم للتعذيب , ولأشكال مختلفة من المعاملة القاسية والمهينة داخل أماكن الاحتجاز ، وهو ما يفرض مسؤولية التحقيق في كافة مزاعم التعذيب ومساءلة المسؤولين عنها.
لقد أدت الحرب الجارية في اليمن إلى اقتراف مختلف أنواع الانتهاكات والتي كان من أبرزها شيوعاً عمليات القتل خارج القانون , والإعدام دون محاكمة ، علاوة على التمثيل بالجثث وسحلها في الشوارع ، ورُصدت عشرات الوقائع في مختلف المناطق اليمنية اقترفت من مختلف أطراف الصراع ، وهو ما يستلزم تحقيقاً جاداً في هذه الوقائع وبما يضمن تحديد المسؤولين عنها ومحاسبتهم.
علاوة على الانتهاكات والأضرار المختلفة التي لحقت بالأطفال في اليمن بسب الحرب ، شكَل المقاتلون من الأطفال إحدى الملامح البارزة للنزاع الجاري في اليمن منذ بدايته ، وشكلت عملية التجنيد الواسعة لهم من قبل كافة الأطراف إحدى أبرز الانتهاكات التي تعرض لها الأطفال وبات مشهد الأطفال المحاربين شائعا في الشوارع ونقاط التفتيش – إضافة إلى جبهات القتال – بصورة غير مسبوقة في تاريخ اليمن المعاصر، وهو ما يستدعي ضرورة التزام الجميع بتسريح كافة المجندين تحت سن الثامنة عشرة ، وضمان عدم حدوث تجنيد للأطفال لاحقاً.
لقد شكلت وقائع احتلال المدارس وتحويلها لمواقع عسكرية وتدميرها جزئيا أو كليا في مناطق القتال , من قبل كافة أطراف الحرب وفي مختلف المناطق واحدة من ظواهر الحرب الأساسية في اليمن، ما أدى إلى حرمان عشرات الآلاف من الطلاب من التعليم سواء خلال فترة النزاع الجاري ، أو لاحقاً بسبب الأضرار التي لحقت بالمدارس بشكل أعاق استمرارها في العمل ، وهو ما يحتم ضرورة التزام جميع الأطراف بإخلاء المدارس علاوة على ضمان ترميمها لاحقاً كأولوية ملحة لتصبح صالحة للاستخدام.
ويجب أن تشمل عملية إعادة التأهيل – من أجل خلق بيئة آمنة للأطفال – إزالة الألغام الأرضية وبقايا السلاح والمقذوفات التي تشكل تهديداً خطيراً لحياة الأطفال والمدنيين بشكل عام.
أدت الحرب الحالية إلى تجريف بيئة العمل المدني في اليمن ، وتعرضت منظمات مجتمع مدني لانتهاكات متعددة أدت إلى وضع قيود كثيرة عليها كان من أبرزها قرارات الإيقاف التعسفية علاوة على احتلال مقراتها ، وفي هذا الصدد يجب أن تلتزم مختلف الأطراف برفع كافة القيود المفروضة على منظمات المجتمع المدني ووقف كافة الإجراءات التعسفية المتخذة بحقها.
تعرضت وتتعرض حرية التعبير والحريات الصحفية والعامة خلال فترة الحرب إلى انتهاكات واسعة ، وكانت وسائل الإعلام المختلفة هدفاً لانتهاكات متعددة من أبرزها احتلال مقرات وإيقاف نشاط صحف ومحطات تلفزيونية وإذاعات محلية ، كما تعرضت صحف ومواقع الكترونية للمصادرة والحجب الإلكتروني ، وتعرض الصحفيون لعمليات تحريض واعتقالات واسعة وصولاً إلى القتل ، وهو ما يستلزم بداية رفع كافة القيود المفروضة على الحريات العامة والصحفية بما فيها الإجراءات التعسفية التي طالت وسائل الإعلام ، وإطلاق كافة الصحفيين المعتقلين تعسفياً ، والتحقيق في كافة وقائع القتل والاعتداء والخطف التي تعرض لها الصحفيون ومحاسبة المسؤولين عنها.
لقد تعرض ويتعرض المدافعون عن حقوق الإنسان لجملة من الانتهاكات والإجراءات التعسفية خلال فترة الحرب ، وشكلت وقائع الاعتقال والاعتداء بالضرب والمنع من السفر والتحريض ضدهم جزءاً من الحملة التي تعرضوا لها من مختلف أطراف النزاع ، ولذلك يجب حث الجميع على ضمان سلامة المدافعين عن حقوق الإنسان , ووقف استهدافهم وإنهاء كافة الإجراءات التعسفية والمضايقات بحقهم.
إن الفرصة المهمة التي تقدمها هذه الجولة من المفاوضات لإحلال السلام في اليمن ، تستدعي التذكير بضرورة عدم تكرار انتهاكات حقوق الإنسان لاحقاً ، ولضمان هذا الأمر يجب أن تقوم الدولة اليمنية – وبتشجيع من الأطراف السياسية ودعمها- بالتوقيع والمصادقة على نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية ، وذلك من أجل حفظ حقوق الضحايا وإنصافهم ، وحمايتهم مستقبلا من تكرار الانتهاكات ، علاوة على ضمان إنهاء سياسية الإفلات من العقاب .
تقع على عاتقكم جميعا سواء ممثلي الأمم المتحدة أو ممثلي الأطراف اليمنية مسؤولية تحريك مسار حقيقي للعدالة الانتقالية بما من شأنه وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان وسياسة الإفلات من العقاب ومعالجة الغبن لدى الآلاف من ضحايا انتهاكات المراحل الماضية ، بدءاً من صياغة مشروع قانون جديد للعدالة الانتقالية يتلافى العيوب الواردة في المشاريع المقترحة سابقاً ومواءمة مشروع القانون المفترض مع المبادئ الدولية للعدالة الانتقالية , وانتهاءً بآليات وإجراءات التنفيذ واللجان المنبثقة عنه.
لا بد من ضمان التزام جميع الأطراف بتعزيز وتفعيل دور القضاء الطبيعي كجهة أصيلة تتمتع بالولاية العامة على الأشخاص والجهات ، وتضطلع بمسؤولية الفصل في المنازعات وإدانة/تبرئة الأفراد والجهات من أي تهم تنسب إليهم/ها ، وتحديد العقوبات وإنفاذها وتحقيق العدالة وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم واحترام القانون ، وعدم السماح لأي جهة أو جماعة بمُصادرة الوظيفة القضائية تحت أي ظرف أو مبرر.
كما يجب أن تضمن جميع الأطراف إخضاع كافة الأجهزة الأمنية وأماكن الاحتجاز لسيادة القانون وعدم مصادرة وظيفتها ومهامها , أو تعطيلها .
سعادة السيد إسماعيل ولد الشيخ :
السادة ممثلو الأطراف اليمنية :
إن الأولويات الخاصة بحقوق الإنسان المشار إليها أعلاه ليست ترفاً ولا شأناً هامشياً ، بل هي في صلب حياة اليمنيين واليمنيات الذي كانوا عرضة لانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان خلال فترة الحرب ، ولن يتحقق السلام لهؤلاء إلا حين يترافق مع حفظ حقوقهم ومحاسبة المسؤولين عمَا لحق بهم ، وضمان عدم تعرضهم لهكذا انتهاكات مستقبلاً ، الأمر الذي يضع على عاتقكم كأمم متحدة وأطراف للصراع الراهن المشاركين في مفاوضات الكويت الاستماع لصوت الضحايا والتحقق من أن أي اتفاق سياسي لن يأتي على حسابهم ، بل سيكون حافظاً لحقوقهم ، وخالقا لقطيعة مع كل الممارسات والانتهاكات التي طالتهم حتى اليوم.
وتفضلوا بقبول وافر تقديرنا واحترامنا
رضية المتوكل
رئيسة المنظمة
18 إبريل 2016م