يجب مساندة جهود المحكمة الجنائية الدولية للمساءلة عن الانتهاكات في دولة فلسطين
قالت مواطنة لحقوق الإنسان، في بيانٍ لها اليوم، إنّ على المُجتمع الدولي، والحكومات، والأمم المتحدة، والمنظمات الدولية، وحركة حقوق الإنسان، في مختلف أنحاء العالم، مساندة جهود مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، في جهود ملاحقة المسؤولين عن جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، المُرتكَبة في نطاق ولاية المحكمة النافذة على دولة فلسطين، منذ 2 أبريل/ نيسان 2015. ودعت مواطنة إلى المبادرة بإعلان إدانة ولجم التهديدات الخطيرة الرامية إلى منع مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية أو تخويفهم أو التأثير عليهم، وكل محاولات تقويض استقلالية وحيادية المحكمة، عن مباشرة المسؤوليات القانونية المنوطة بالمحكمة -تنفيذًا لولايتها- بإصدار مذكرات اعتقال دولية، بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، يوآف غالانت، ورئيس الأركان، هرتسي هاليفي، وقيادات إسرائيلية أخرى، بسبب مسؤوليتهم عن ارتكاب جرائم مروعة بحق المدنيّين الفلسطينيّين، حيث تُشكِّل تلك التهديدات والمحاولات غير الأخلاقية، وغير المسؤولة، جريمةً علنية ومشهودة، ضد إقامة العدل، طبقًا للمادة 70 من نظام روما الأساسي.
وكشف مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، في بيان صحفي، أصدره في ٣ مايو/ أيار ٢٠٢٤، أن المحكمة تلقت خطابات تهديد بالانتقام، وخطابات تحريض، وخطابات أخرى شكّكت بحيادية المحكمة واستقلالها، عقب تداول أنباء، على نطاق واسع، تفيد بأن المحكمة الجنائية الدولية، تدرس إصدار مذكرات اعتقال بحق قيادات في الحكومة والجيش الإسرائيليين، متهَمِين بالمسؤولية عن ارتكاب جرائم حرب طالت المدنيين الفلسطينيين، على مدى ما يزيد على ستة أشهر من العمليات العسكرية، التي قتلت ما يزيد على 34000 فلسطيني، وأصابت ما يزيد على 75000 آخرين بجروح، ومنع وصول المساعدات الإنسانية لمئات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، والتي أعقبت هجوم الفصائل الفلسطينية، على المستوطنات الإسرائيلية في منطقة غلاف غزة، شمال القطاع، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، قُتل فيها نحو 1200 شخص، واحتُجِز العشرات من الرهائن والأسرى الآخرين.
في 30 أبريل/ نيسان 2024، طالَبَ رئيسُ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عبر حسابه الرسمي على منصة X، "زعماء العالم الحر"؛ حسب وصفه، بـ"أن يقفوا بحزم ضد محاولات المحكمة الجنائية الدولية وضع إسرائيل في قفص الاتهام، بينما ندافع عن أنفسنا ضد الإرهابيين وأنظمة الإبادة الجماعية"، وأضاف في تغريدته: "إن المحكمة الجنائية الدولية تستهدف كلَّ الأنظمة الديمقراطية؛ لأن هذا من شأنه أن يقوض حقها الأصيل في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب الوحشي والعدوان الوحشي"، ولم يُشِر نتنياهو، في أيٍّ من تصريحاته، إلى أنّ إجراءات محكمة الجنايات الدولية، تأتي في إطار ولايتها القانونية، التي توجب عليها ملاحقة المسؤولين عن ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضدّ الإنسانية، بما في ذلك استخدام التجويع كسلاح حرب، وغيرها من انتهاكات القانون الدولي الإنساني.
ونقل موقع "أكسيوس"، عن مصدرَين إسرائيليين مطلعين، أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، طالَبَ الرئيس الأميركي، جو بايدن، خلال مكالمة هاتفية بينهما، في 28 أبريل/ نيسان 2024، بالمساعدة في منع المحكمة الجنائية الدولية من إصدار مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين كبار في الحكومة والجيش. وطبقًا لتصريحات السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارين جان بيير، في مؤتمر صحفي، عقدته في 3 مايو/ أيار 2024، فقد أعربت عن معارضة الإدارة الأمريكية لتحقيقات المحكمة الجنائية الدولية في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وعللت ذلك الرفض باعتقاد البيت الأبيض بأن النزاع ليس ضمن ولاية المحكمة، وأضافت: "لقد كنا واضحين للغاية بشأن تحقيق المحكمة الجنائية الدولية، نحن لا نؤيده ولا نعتقد أنه من اختصاصها".
في 6 مايو/ أيار 2024، حذّر نواب بمجلس الشيوخ الأميركي، في رسالة تهديد، أُرسلت إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، من إصدار مذكرات اعتقال بحق قيادات إسرائيلية، وتوعّدوه بمواجهة عقوبات ثقيلة إذا ما أقدم على ذلك، وجاء في الرسالة: في حال إقدام المحكمة الجنائية الدولية على إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين، فإن الخطوة ستعتبر تهديدًا ليس فقط لسيادة إسرائيل، ولكن لسيادة الولايات المتحدة أيضًا، مما ستترتب عليه عقوبات ثقيلة؛ وفق الرسالة، وهدّد النوابُ، في رسالتهم، المدعي العام، كريم خان، بالقول: "إذا استهدفتَ إسرائيل، فسنستهدفك"، كما هدّدوا بفرض عقوبات على موظفي خان وشركائه، وبحظر دخول المدعي العام وعائلته إلى الولايات المتحدة، وختم أعضاء مجلس الشيوخ رسالتهم الموجهة للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بعبارة: "لقد تم تحذيرك"، وكان مشرعون في مجلس الشيوخ الأمريكي، قد هدّدوا في 1 مايو/ أيار 2024، بإصدار تشريع ضد المحكمة الجنائية الدولية إذا مضت قدمًا في إصدار مذكرات الاعتقال ضد القادة الإسرائيليين.
وكشفت موقع"أكسيوس" يوم 7 مايو/آيار 2024 عن إعداد أعضاء بمجلس النواب مشروع قانون يفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية في حال صدور أوامر اعتقال لمسؤولين إسرائيليين.
قالت رضية المتوكل، رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان: "إن التهديدات المُتكررة بالانتقام من المحكمة، لقيامها بواجبها الأصيل لإنهاء سياسة الإفلات من العقاب- تشكل في حد ذاتها مشاركة في تحقيق الإفلات من العقاب وعرقلة الحقيقة وتحقيق العدل"، وأضافت المتوكل: "ليس من الغريب مهاجمة نتنياهو وحكومته، للمحكمة الجنائية الدولية في الوقت الذي يتوقع أن يتصدر قائمة القادة الإسرائيليين الذين تشملهم مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة، لكن الغريب والصادم هو المواقف غير المسؤولية الصادرة عن حلفاء وداعمي إسرائيل، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، ضد قرارات المحكمة المُرتقبة بحق المسؤولين الإسرائيليين، خلافًا لمواقفهم المُؤيدة لمذكرات الاعتقال الصادرة عن ذات المحكمة، بحق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وعدد من المسؤولين الروسيين معه، بسبب اتهامهم بالمسؤولية عن ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا".
وقالت المتوكل: "إنّ تكرار إلقاء بنيامين نتنياهو وقادة إسرائيل وداعميهم، تهمة معاداة السامية، على كل المطالبين بوقف الجرائم المروعة التي تواصل إسرائيل ارتكابها ضد المدنيين الفلسطينيين، للتخلص من الضغوط الدولية المتصاعدة، يمثل إساءة بالغة لضحايا المحرقة، واستخفافًا بالجرائم المروعة التي طالتهم، وبمعاناتهم الرهيبة"، وأضافت: "إنّ الدرس المستفاد من المحرقة، يتمثل بالمسؤولية الواجبة على المجتمع الدولي، والمجتمع الإنساني برمته، بالتحرك لحماية المدنيين، من دون أي تمييز، بمن في ذلك المدنيون الفلسطينيون، من جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وغيرها من الجرائم المروعة، وليس استخدام المحرقة ومعاداة السامية، المتكرر، من قبل قادة إسرائيل كضوء أخضر لانتهاك واستباحة حقوق المدنيين الفلسطينيين، بذريعة حق الدفاع عن النفس".
ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز"، في 30 أبريل/ نيسان 2024، مقالًا للكاتب البريطاني، دوغلاس كير موراي، المعروف بتطرف آرائه، بعنوان: "تكتيكات التشهير الشريرة للمحكمة الجنائية الدولية ضد حلفاء أمريكا"، هاجم فيه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، وزعم أن إصداره لأي لائحة اتهام ضد قادة إسرائيل، ستكون ضد دولة إسرائيل والشعب الإسرائيلي عامة، ووصف الكاتب إصدار لائحة إتهام بحق قادة إسرائيل، بـ"تجاوز حدود بشع من قبل المحكمة الجنائية الدولية"، وزعم "وجود تحيز وأسباب سياسية للمدعي العام تدفعه لإجراء تحقيقات في مواجهة إسرائيل".
تُعارض كلٌّ من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية عملَ المحكمة الجنائية الدولية منذ الخطوات الأولى لتأسيسها عام 1998، واستمرت رغم إعلان إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، رسميًّا، في 1 يوليو/ تموز 2002، بعد مصادقة 60 دولة، على نظام روما الأساسي، وفرضت الولايات المتحدة الأمريكية، خلال رئاسة دونالد ترامب، عقوبات غير مسبوقة على قُضاة المحكمة، التي تصاعدت مع إعلان المحكمة الجنائية الدولية، في 7 يناير/ كانون الثاني 2015، قبولَها طلب دولة فلسطين، لدى المدعية العامة بالمحكمة، بالانضمام بوصفها دولة طرف، في نظام روما الأساسي، حيث دخلت ولاية المحكمة، على دولة فلسطين، حيز النفاذ، ابتداءً من 2 أبريل/ نيسان 2015، عقب إيداع دولة فلسطين صكَّ انضمامها لدى الأمين العام للأمم المتحدة، وتستمر معارضة إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، لعمل المحكمة، وبشكل خاص لا يعترفان بالولاية القضائية للمحكمة، على الأراضي الفلسطينية، رغم انضمام 123 دولة للمحكمة، حتى اليوم.
والمحكمة الجنائية الدولية هي هيئة قضائية دولية ومستقلة، أُنشِئت للتحقيق في أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي، وهي: الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم المرتكَبة ضدّ الإنسانية، وجريمة العدوان، وتأسست بموجب نظام روما الأساسي، ويقع المقر الدائم للمحكمة في مدينة لاهاي، في هولندا، وتتمتع المحكمة بولاية قضائية وقانونية للتحقيق والمساءلة على الجرائم الأشدّ خطورة، المُرتكَبة في النطاقات الجغرافية للدول المُصادِقة على نظام روما، مثل: جرائم الحرب، وجريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضدّ الإنسانية، وجرائم العدوان، طبقًا لنظام روما الأساسي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي.
وكان المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، قد أعلن في إحاطة صحفية، أذاعها مساء الأحد، 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، من أمام معبر رفح، في الجانب المصري، من حدود مصر مع دولة فلسطين، عن فتح مكتب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، للتحقيق في جرائم الحرب، والجرائم ضدّ الإنسانية، والجرائم الأخرى، المُرتكَبة في دولة فلسطين وإسرائيل، إعمالًا لولايتها القضائية، وهو التحرك الأول لمحكمةٍ ذات ولاية قضائية دولية، منذ بدء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في العام 1947.
ودعت مواطنة لحقوق الإنسان، المجتمعَ الدولي، والحكومات، بما في ذلك الوكالات الأممية، والمنظمات غير الحكومية، والناشطون والحقوقيون، حول العالم، إلى مساندة المحكمة الجنائية الدولية وعملها وموظفيها ومسؤوليها، في تحقيق المهام والواجبات المنوطة بهم، وإدانة كافة التهديدات بالانتقام، من العاملين في المحكمة، بهدف التأثير على حيادية واستقلالية المحكمة الجنائية الدولية. كما دعت مواطنة، إلى مضاعفة الجهود من أجل إنهاء سياسة الإفلات من العقاب، من أجل محاسبة جنائية دولية شفافة ونزيهة، عن كافة الانتهاكات المُرتكَبة ضد المدنيين، وجبر ضرر الضحايا وإنصافهم.