
جرائم الاختفاء القسري المرتكبة خلال النزاع المسلح في اليمن

صنعاء، السبت، 30 أغسطس/ آب 2025
قالت مواطنة لحقوق الإنسان، في بيان إطلاق تقرير "مَصائِر مُعلَّقة"؛ الذي يسلّط الضوء على جرائم الاختفاء القسري في اليمن، خلال فترة النزاع الحالي، من سبتمبر/ أيلول 2014 حتى يوليو/ تموز 2025، والذي أطلقته المنظمة اليومَ بالتزامن مع اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري الذي يوافق 30 أغسطس/ آب من كل عام، إنّ جرائم الاختفاء القسريّ تُمثّل أحد أخطر وأعقد انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكِبت على نطاق واسع من قبل جميع أطراف النزاع المسلح في اليمن.
وقالت مواطنة في تقريرها، إنّ فريقها الميداني والمركزي وثّق ما لا يقل عن (1569) واقعة اختفاء قسري، وأجرى ما لا يقل عن (2038) مقابلة معمقة مع أُسَر الضحايا، في مختلف المحافظات اليمنية، تورطت في ارتكابها، بصورة ممنهجة وواسعة النطاق، مختلفُ أطراف النزاع، بما في ذلك: جماعة أنصار الله (الحوثيين)، التي تتحمل مسؤولية (741) واقعة، فيما يتحمل المجلس الانتقالي الجنوبي مسؤولية (385) واقعة، وتتحمل الحكومة المعترف بها دوليًّا وتشكيلات حزب الإصلاح مسؤولية (347) واقعة، والتحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات (60) واقعة، بالإضافة إلى القوات المشتركة في الساحل الغربي (15) واقعة، وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب (12) واقعة.
ويكشف التقرير قصصًا لمعاناة إنسانية قاسية؛ حيث تعيش عائلات الضحايا في دوامة من القلق والترقب المستمر، مع غياب أيّ معلومات عن مصير أحبائهم، وفي ظل غياب قنوات قانونية أو رسمية للبحث عنهم أو الوصول إليهم. كما يستعرض شهادات مباشرة توثِّق كيف تحوّلت هذه الجريمة إلى أداة للتصفية السياسية وترويع المجتمع، وكيف يفاقم الصمت الرسمي والإنكار من الألم النفسي، ويترك العائلات معلّقة بين الأمل واليأس.
وأشارت "مواطنة" إلى أنّ المئات من ضحايا جرائم الاختفاء القسري لا يزالون مجهولي المصير، بعد أن تم اقتيادهم من منازلهم أو أماكن عملهم، أو جرى احتجازهم في نقاط التفتيش أو الشوارع، ثم اختفوا قسريًّا دون أن تُعلِن أيُّ جهة رسمية أو فعلية عن عمليات احتجازهم أو مكان وجودهم. وتعيش أُسَر هؤلاء الضحايا في حالة من الانتظار المرير، معلقة، يتنقل أفرادها بين مقارّ السلطات بحثًا عن إجابة، فلا يجدون سوى الصمت أو الإنكار، في مشهدٍ يتكرر في مختلف المناطق الواقعة تحت سيطرة مختلف أطراف النزاع في اليمن.
قالت رضية المتوكل، رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان: "تعيش أُسَر وذوي ضحايا الاختفاء القسري في دائرةٍ لا تنتهي من الخوف والحيرة، محرومةً من الحق في معرفة مصير أحبّائها، عاجزةً عن اتخاذ أيّ خطوات قانونية أو اجتماعية أو حتى شخصية، نظرًا لغياب المعلومة التي هي أساس أيّ فعل إنساني أو قانوني".
وتابعت المتوكل: "يجب على جميع الأطراف المبادرة إلى فتح ملف جرائم الاختفاء القسري في اليمن، على أسس تضمن كشف الحقيقة، وإنصاف الضحايا، والمساءلة، باعتبار ذلك خطوة أساسية لمواجهة الإفلات من العقاب، وتحقيق العدالة".
يُذكر أنّ فريق الخبراء المعني باليمن GEE، في تقريره النهائي والأخير، والموجّه إلى رئيس مجلس الأمن بتاريخ 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، أشار إلى أنّ العديد من الانتهاكات، ومن بينها الاختفاء القسري، غالبًا ما ارتُكِبَت بذريعة الاشتباه في انتماء الضحايا المفترضين إلى جماعات معارضة، أو تحت مظلة "مكافحة الإرهاب"، أو بدافع الحصول على فدية. ولم تقتصر الانتهاكات على فئة بعينها، بل شملت طيفًا واسعًا من المدنيين، بينهم مدافعون عن حقوق الإنسان، وأعضاء في منظمات المجتمع المدني، وموظفون في الإدارات المحلية والدولية، وعاملون في المجال الإنساني، فضلًا عن الصحفيين والصحفيات. كما وثّق الفريق حالات طالت مواطنين عاديين لا تربطهم أيّ صلات سياسية أو عسكرية.
وأشار تقرير "مصائر معلقة" إلى أن القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، يكفلان حزمة من الحقوق الأساسية التي يفترض أن تقي الأفراد من الوقوع ضحيةً لجريمة الاختفاء القسري، وتشمل الحق في الاعتراف بالشخصية القانونية، والحق في الحرية والأمان الشخصي، والحماية من التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المُهِينة، فضلًا عن الحق في الحياة، والحق في الهُوية الشخصية، والحق في محاكمة عادلة وضماناتٍ قضائية، والحق في انتصافٍ فعّال يشمل الجبر والتعويض، إضافة إلى الحق في معرفة الحقيقة بشأن ظروف وملابسات الاختفاء القسري.
وذكر التقرير أن الاختفاء القسري، يُعدّ جريمة ضد الإنسانية وفقًا للمادة (7) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية؛ نظرًا لما يترتب عليه من إخراج الضحايا من نطاق الحماية القانونية، وفتح الباب أمام انتهاكات جسيمة أخرى، من التعذيب إلى القتل خارج إطار القانون، مع حرمان أسَرهم من معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة. كما صنّف التقرير هذه الجريمة بأنّها جريمة مركّبة ذات طبيعة مستمرة ومعقدة، لما تحمله من انتهاكات متزامنة تطال الضحايا وأسَرهم، وتجعلها من أخطر الجرائم ضد الإنسانية، وأحد أسباب تقويض منظومة العدالة وسيادة القانون، ما يفرض على الدول –ومنها اليمن– التزامًا قانونيًّا وأخلاقيًّا بمساءلة المسؤولين عنها وضمان عدم تكرارها.
ويستعرض التقرير في جزء منه، نماذجَ لوقائع بارزة من جرائم الاختفاء القسري التي تورطت في ارتكابها كافة أطراف النزاع في اليمن، كما يُبرِز التقريرُ الأثرَ الممتد لهذه الجريمة على النسيج الاجتماعي، وعلى حياة الأُسر التي تتحول إلى حالة من الانتظار المرير.
وأشار التقرير إلى الجهود المتواصلة التي تبذلها مواطنة لحقوق الإنسان في دعم ضحايا الاختفاء القسري وأسرهم، والتي تشمل تقديمَ خدمة الدعم القانوني المجانية عبر شبكة من المحامين والمحاميات المنتشرين في معظم المحافظات اليمنية، ورَصْدَ وتوثيق هذه الجريمة في مختلف المناطق الخاضعة لأطراف النزاع المختلفة. وقد أبرز التقرير ما أصدرته مواطنة من تقارير نوعية، مثل: "ليسوا هنا"، و"في العتمة"، التي وثقت أنماط الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري، إلى جانب الفيلم الوثائقي "مصير مبهم"، الذي نقل شهادات مؤثرة عن الأثر النفسي والاجتماعي العميق لهذه الجريمة.
وأكّدَت "مواطنة لحقوق الإنسان" ضرورةَ تشكيل لجان تحقيق مستقلة لرصد ومتابعة جرائم الاختفاء القسري، ودمج هذا الملف ضمن مسارات العدالة الانتقالية والاتفاقيات السياسية المستقبلية، بما يضمن كشف الحقيقة، ومساءلة الجناة، وجبر ضرر الضحايا وأُسرهم، وإعادة دمجهم اجتماعيًّا.
وَدَعَت مواطنة جميعَ أطراف النزاع في اليمن، بما في ذلك: جماعة أنصار الله (الحوثيين)، والحكومة المعترف بها دوليًّا، وتشكيلات حزب الإصلاح، والمجلس الانتقالي الجنوبي، والتحالف بقيادة السعودية والإمارات، والقوات المشتركة، إلى التوقف عن ارتكاب جرائم الاختفاء القسري، والكشف عن مصير جميع المختفين قسريًّا، والسماح لأسرهم والمنظمات الدولية بزيارتهم، مع الإفراج عنهم، وإغلاق مراكز الاحتجاز غير الرسمية، وضمان الرقابة القانونية على جميع أماكن الاحتجاز. كما شدّدت على ضرورة فتح تحقيقات جنائية شفافة، ومحاسبة المتورطين، وتعويض الضحايا، وإنشاء سجلّات رسمية محدثة بأسمائهم وبياناتهم.
وطالبت مواطنة الأممَ المتحدة والمجتمع الدولي بتأدية دورٍ أكثر فاعلية في معالجة ملف جرائم الاختفاء القسري، عبر الدفع نحو تسريع عملية السلام، والضغط على الأطراف للكشف عن مصير جميع المختفين قسريًّا، كما جدّدت دعوتها لإنشاء آلية تحقيقٍ دولية ذات طابع جنائي خاصة باليمن، وإحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية، لضمان تحقيق العدالة والانتصاف للضحايا.