حرب التجويع

الإبادة الإسرائيلية للعمل الإنساني في قطاع غزة

August 19, 2024

قالت مواطنة لحقوق الإنسان، في بيان لها اليوم، بالتزامن مع اليوم العالمي للعمل الإنساني، الذي يصادف التاسع عشر من أغسطس/ آب من كل عام، إن القوات الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر، قد استهدفت العمل الإنساني في غزة وتسببت في مقتل ما لا يقل عن 270 من العاملين في المجال الإنساني، في استهداف متعمد وغير مبرر أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة، وعرقلة الجهود المبذولة لتخفيف معاناة السكان، في إطار استخدام التجويع كسلاح حرب، مما يعكس تجاهلاً فاضحاً لحقوق الإنسان والقوانين التي تحظر الهجمات على المرافق الإنسانية.

ووفقاً لتقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عن مستجدات الوضع الإنساني في غزة "فمنذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، قُتل ما لا يقل عن 270 عاملًا من العاملين في المجال الإنساني في غزة، بمن فيهم 192 موظفًا من موظفي الأونروا، وأربعة آخرين من موظفي الأمم المتحدة، وما لا يقل عن 42 من العاملين في المجال الإنساني الآخرين، و32 من موظفي جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني ومتطوعيها، من بينهم 19 موظفًا كانوا على رأس عملهم".

وجاء في بيان لمنظمة أطباء بلاد حدود أن "الحصار الإسرائيلي المشدّد على غزة يعيق دخول الإمدادات الحيوية إلى القطاع. وفي الوقت نفسه، فإنّ توفير المساعدات داخل القطاع شبه مستحيل بسبب تجاهل إسرائيل التام لحماية البعثات الطبية والإنسانية وطواقمها وسلامتهم، ومنع وصول الناس إلى المساعدات المنقذة للحياة؛ يتسبب هذا الواقع في إحالة الاستجابة الإنسانية في غزة إلى مجرد وهم".

وقالت منسقة مشروع أطباء بلا حدود في غزة، ليزا ماكينير: "المروّع حقًا هو الغياب الصارخ للمساحة الإنسانية ونقص الإمدادات الذي نشهده في غزة. إذا لم يُقتل الناس بالقنابل، فإنّهم يعانون من الحرمان من الغذاء والمياه ويموتون بسبب نقص الرعاية الطبية".

وكانت القوات الإسرائيلية قد استهدفت في ضربة جوية في الأول من أبريل 2024، قافلة منظمة "المطبخ المركزي العالمي" (WCK) وأسفرت عن مقتل سبعة من العاملين، وعلق حينها مؤسس منظمة المطبخ المركزي العالمي، خوسيه أندريس عن الإدراك التام للقوات الإسرائيلية لصفة الفريق كعاملين إنسانين أثناء الهجوم حيث قال: "كان هذا أكثر من 1.5، 1.8 كيلومتر، مع قافلة إنسانية محددة للغاية تحمل لافتات في الأعلى (في السقف) شعارًا ملونًا من الواضح أننا فخورون به للغاية؛ من الواضح جدًا من نحن وماذا نفعل".

وقال: "لقد استهدفونا في منطقة خفض التوتر، في منطقة تسيطر عليها قوات الدفاع الإسرائيلية. كانوا يعلمون أن فرقنا كانت تتحرك على هذا الطريق بثلاث سيارات". وختم أندريس حديثه بالقول: "يبدو أن هذه حرب ضد الإنسانية ذاتها، ولن تتمكن أبدا من الفوز في هذه الحرب، لأن الإنسانية سوف تنتصر في النهاية".

وفي 30 يونيو/ حزيران 2024، أصدرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين "الأونروا" تصريحاً رسمياً بعنوان "أوقفوا حملة إسرائيل العنيفة ضدنا"، جاء فيه: "تحققت وكالتنا من مقتل ما لا يقل عن 193 من موظفينا في غزة. وكذلك تعرض ما يقرب من 190 مبنى للأونروا للأضرار أو للتدمير، كما تعرضت مدارس الوكالة للهدم، وقُتل ما لا يقل عن 500 نازح أثناء إيوائهم في مدارس الأونروا وغيرها من المباني. ومنذ السابع من أكتوبر قامت القوات الإسرائيلية باعتقال موظفي الأونروا في غزة، الذين أفادوا بتعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة أثناء احتجازهم في قطاع غزة أو في إسرائيل".  وجاء في التصريح: "إن الأونروا ليست الوكالة الوحيدة للأمم المتحدة التي تواجه الخطر. حيث تعرضت مركبات تابعة لبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إلى إطلاق النيران في أبريل/ نيسان، على ما بدا أنه غير مقصود، ولكنه حدث برغم التنسيق مع السلطات الإسرائيلية".

وأضاف التصريح: "لا يهدد المسؤولون الإسرائيليون عمل موظفينا ومهمتنا فحسب، بل ينزعون أيضا الشرعية عن الأونروا من خلال وصفها بأنها منظمة إرهابية تشجع التطرف ووصم قادة الأمم المتحدة بالإرهابيين المتواطئين مع حماس. ومن خلال القيام بذلك، فإنهم يخلقون سابقة خطيرة تتمثل في الاستهداف المتكرر لموظفي الأمم المتحدة ومرافقها. إن الصمت الدولي، تجاه الانتهاكات الإسرائيلية، في الأرض الفلسطينية المحتلة، بمثابة تصريح يفتح الباب أمام الإفلات من العقاب وانتشار الفوضى، وإذا ما استمر ذلك التسامح الدولي مع مثل تلك الهجمات فلن نتمكن من التمسك بالمبادئ الإنسانية في أي نزاعات أخرى حول العالم، إن استمرار تلك الانتهاكات ضد العمل الإنساني، سيزيد من إضعاف أدوات السلام ومن القدرة على الدفاع ضد الأعمال اللاإنسانية في جميع أنحاء العالم، ويجب ألا يصبح هو المعيار الجديد".

وكان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد تبنى قراراً برقم 2730 لحماية العاملين في المجال الإنساني، دعا فيه إلى احترام وحماية العاملين في المجال الإنساني وموظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها، بمن في ذلك الموظفون المحليون، وطالب القرار بتقديم الأمين العام للأمم المتحدة "تقريرًا سريعًا إلى المجلس عند حدوث قضايا واسعة النطاق تتعلق بسلامة وأمن العاملين في المجال الإنساني، وموظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها، ومبانيهم وأصولهم".

وكان الدفاع المدني في غزة قد صرح في مؤتمر صحفي، يوم الأحد 17 أغسطس/ آب 2024، أعلن فيه عن مقتل 82 من كوادره، وإصابة أكثر من 720 آخرين بنيران إسرائيلية منذ بدء الحرب على القطاع في 7 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، وجاء في التصريح بأن مقراته في القطاع تعرضت للتدمير الكلي والقصف المباشر والضرر الجزئي، إضافة إلى تعرض مركباته للاستهداف المدفعي والقصف والحرق من قبل القوات الإسرائيلية، بشكل يؤكد تعمد إسرائيل في عرقلة التدخلات الإنسانية والعمل الإنساني.

أكد عبد الرشيد الفقيه، نائب رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان، على أن "استمرار اسرائيل في استهداف العمل الإنساني في غزة على الرغم من قرارات مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية بضرورة اتخاذ تدابير لوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، يؤكد على منهجية إسرائيل المستمرة في استفزاز الضمير الإنساني للمجتمع الدولي وعلى جبروتها في إذلال المجتمع الإنساني ككل، وعدم اكتراثها للقرارات الدولية أو للسخط الإنساني العالمي". وأضاف الفقيه: "يبدو أن آليات الأمم المتحدة في مواجهة إسرائيل تصبح آليات معطوبة ولا تحظى بأي درجة من درجات الاستجابة، وهو ما يستلزم بالضرورة إنشاء آليات مساءلة أكثر صرامة".

تدعو مواطنة لحقوق الإنسان المجتمع الدولي إلى ضرورة إنشاء لجان تحقيق مستقلة للتحقق من الانتهاكات المزعومة، وتوثيق الهجمات على المنشآت الإنسانية، وإلى ضرورة اتخاذ إجراءات قانونية ضد الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لوقف الانتهاكات الإسرائيلية وحماية العمل الإنساني في غزة. وتؤكد مواطنة على ضرورة تحرك المجتمع الدولي بشكل جاد لوقف هذه الانتهاكات، وحماية العمل الإنساني، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.