يجب على المملكة المتحدة التوقف الآن عن بيع الأسلحة التي تقتل المدنيين اليمنيين

قد تكون دعوات الأمم المتحدة الأخيرة لوقف إطلاق النار في اليمن للحد من انتشار فيروس كورونا (Covid-19) غائبة عن الصفحات الأولى في المملكة المتحدة، ولكن أهميتها بالنسبة لاحتمالات إنهاء الحرب الكارثية في اليمن لن تضيع على اليمنيين.

May 20, 2020
صورة التقطت أعقاب غارة جوية شنها التحالف بقيادة السعودية والإمارات على حي الرباط السكني. صنعاء 16
صورة التقطت أعقاب غارة جوية شنها التحالف بقيادة السعودية والإمارات على حي الرباط السكني. صنعاء 16

بعد أكثر من خمس سنوات من الحرب، لم يعد بمقدور الحكومات، بما في ذلك المملكة المتحدة، الادعاء بأنها خدعت بوعود التحالف.

20 مايو/ أيار 2020

نشرت المقالة في Open Democracy

بنيان جمال ودرباله مينوغ

قد تكون دعوات الأمم المتحدة الأخيرة لوقف إطلاق النار في اليمن للحد من انتشار فيروس كورونا (Covid-19) غائبة عن الصفحات الأولى في المملكة المتحدة، ولكن أهميتها بالنسبة لاحتمالات إنهاء الحرب الكارثية في اليمن لن تضيع على اليمنيين.

إن تقدم هذه الحرب، التي شهدت انتهاكات مروعة للقانون الدولي من قبل التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات والحكومة اليمنية والقوات الموالية لها والجماعة الحوثية المسلحة التي تقاتلها، يجب أن يقلق الجمهور البريطاني نظراً لدعم بلادهم الحاسم للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من خلال بيع الأسلحة. منذ مارس/ آذار 2015، لعبت الغارات الجوية للتحالف دورًا حاسمًا في القضاء على حياة المدنيين اليمنيين، من خلال قصف التجمعات المدنية والمنازل والبنية التحتية الأساسية. فمنذ مارس/ آذار 2015، تم ترخيص بيع أسلحة بريطانية تبلغ قيمتها أكثر من 11 مليار جنيه استرليني للمملكة العربية السعودية.

استخدم بوريس جونسون، عندما كان وزيراً للخارجية، تأثيره الحاسم في عملية ترخيص الأسلحة لتزكية الموافقة على استمرار بيع الشركات البريطانية للأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، على الرغم من الأدلة القوية على أن التحالف كان يشن ضربات عشوائية وغير متناسبة على المدنيين وعلى الممتلكات المدنية في انتهاك للقانون الدولي الإنساني. فقد كان النهج غير الرسمي لرئيس الوزراء تجاه حياة مدنيين في اليمن مذهلاً.

عندما بدأ تدخل التحالف في اليمن، اتضح بسرعة كبيرة للمدنيين اليمنيين أن ضربات التحالف تعرضهم لخطر شديد. فبحلول عام 2016، قام التحالف بقتل أو جرح الآلاف من المدنيين بوسائل عدة من ضمنها عشرات الغارات التي تعتبر غير قانونية والتي وثقتها الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية واليمنية، مثل منظمة مواطنة لحقوق الإنسان.

استخدم بوريس جونسون، عندما كان وزيراً للخارجية، تأثيره الحاسم في عملية ترخيص الأسلحة لتزكية الموافقة على استمرار بيع الشركات البريطانية للأسلحة إلى المملكة العربية السعودية،

لكن التحالف استمر في صدمه للعالم. بعد ظهر يوم 8 أكتوبر / تشرين الأول 2016، امتلأت قاعة مجتمعية بالقرب من العاصمة اليمنية صنعاء بحوالي 1500 رجل وصبي، مبدين إحترامهم في عزاء والد وزير الداخلية اليمني المعين من قبل الحوثيين. وفي تمام الساعة 3.30 مساءً، غارت طائرات التحالف على هذا الحدث المكتظ بالمعزين – والذي تم الإعلان عنه للعامة على شبكة فيسبوك للتواصل الإجتماعي – مما أسفر عن مقتل 84 شخص على الأقل وإصابة ما لا يقل عن 550.

حاول الأشخاص الذين لم يتضرروا من الغارة الجوية الأولى أن ينقذوا أنفسهم من خلال القفز من نوافذ الطابق الثاني، مما زاد من حصيلة الإصابات. وبقي آخرون في الخلف فقتلتهم الغارات التي تلت ذلك. وكما قال أحد الضحايا، عصام الرويشان (25 سنة)، لباحث مواطنة: “لم يخطر ببالي قط أنهم سيقصفون قاعة عزاء”.

عند التفكير في ما إذا كان سيستمر بيع الأسلحة أم لا بعد إرتكاب مذبحة كهذه، فلن يصل الكثير إلى عبارة “متوازنة بشكل دقيق للغاية“. وهي الصياغة التي استخدمها جونسون في مذكرة داخلية أصدرها بعد أقل من شهر عندما أرسل تزكيته بشأن استمرار منح تراخيص بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية.

تُظهر لغة المذكرة، التي تصف استمرار توريد الأسلحة للسعودية على أنها مسألة دقيقة، أن الحكومة كانت تعطي القرار ما يستحقه من تدقيق وفحص. وتجلت الحقيقة فيما بعد في الدعوى القضائية التي رفعتها الحملة المناهضة لتجارة الأسلحة (CAAT): لم تكن الحكومة تدرس حتى الغارات الجوية الفردية عن كثب بما يكفي لإلقاء نظرة على ما إذا كانت قد انتهكت القانون الدولي أم لا. كان هذا العيب في العملية أمرًا جوهرياً لدرجة أنه أدى إلى إلغاء محكمة الاستئناف في المملكة المتحدة لقرارات الترخيص في يونيو/ حزيران 2019 على أساس ما يسمى أسباب “العقلانية” – وهو سقف يصعب بلوغه. لم تقرر حكومة المملكة المتحدة بعد ما إذا كانت ستمنح المزيد من التراخيص للمملكة العربية السعودية أو ستعلق التراخيص الموجودة – ولكن حدود التعويض بموجب القانون العام والتي أمرت بها محكمة الاستئناف تعني السماح بإستمرار عمليات النقل بموجب التراخيص القديمة.

يعتبر قرار الحملة المناهضة لتجارة الأسلحة CAAT خطوة مهمة ويجب الاحتفال به، لكن حكومة المملكة المتحدة تقوم حالياً بإستأناف ذلك، والإجراءات القضائية بطيئة وغير كاملة. فبينما تشق هذه القضية وغيرها من القضايا المشابهة لها طريقها ببطء عبر الأنظمة القضائية، تستمر غارات التحالف الجوية في قتل وتشويه المدنيين في اليمن، وغالبا ما تستخدم الأسلحة المصنعة في الغرب.

يجب أيضًا أن تخضع الحكومة التي يقودها بوريس جونسون لتدقيق برلماني صارم، وهو أمر ستقدمه لجنة مختارة يتم تشكليها بشكل صحيح. وإنهت آخر لجنة برلمانية تُعنى بضوابط تصدير الأسلحة وجودها عندما تم الدعوة إلى الانتخابات العامة في ديسمبر/ كانون الأول 2019، والجهود جارية للدفع من أجل تشكيل لجنة مختارة مكتملة. ولقد مرت أكثر من تسعة أشهر منذ أن قامت منظمتنا بإعطاء الحكومة أدلة مفصّلة وساحقة حول مخالفات التحالف للقانون الدولي وتجميل العواقب، لكن الوزير المسؤول فشل في الرد عليها.

ومع استمرار سلسلة المآسي المروعة للمدنيين، فإننا ندعو برلمان المملكة المتحدة إلى إنشاء لجنة مختارة تنظم صادرات الأسلحة في أسرع وقت. ولتسليط الضوء على الحاجة الملحة لتجديد التدقيق، نقوم نحن في منظمة مواطنة وشبكة الإجراءات القانونية العالمية GLAN بنشر الأدلة، إلى جانب تحليل القانون الدولي وتقرير رسمي، تحسبًا للجنة التي تشتد الحاجة إليها. وتحتاج مثل هذه الأدلة إلى أن يُنظر فيها بفاعلية وتسلط الضوء على الحاجة الملحة لضمان تقيد هذه الحكومة بالتزاماتها الأخلاقية والقانونية لرفض منح التراخيص حيثما يكون هناك خطر واضح من استخدام الأسلحة في ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي.

حددت مذكرة بوريس جونسون لعام 2016 – والتي تتكون من سبعة أسطر – أن التراخيص يمكن أن تستمر لأن “السعوديين يبدوون ملتزمين بتحسين العمليات واتخاذ الإجراءات لمعالجة الإخفاقات / الحوادث الفردية”. يظهر تقريرنا أنه لم يكن ينبغي على الحكومة أبداً أن تعتمد على مثل هذه التأكيدات التي لا قيمة لها، وأن المملكة المتحدة لديها أدلة كافية على أن – بدون اتخاذ مزيد من الإجراءات من جانب المملكة المتحدة والدول الأخرى الموردة للأسلحة – المآسي التي تسبب بها التحالف بحق اليمنيين قد أستمرت، ومن شبه المؤكد أنها سيستمر.

إن ترخيص بيع الأسلحة للسعودية – والإمارات في هذا الشأن – لا يتعتبر مجال صناعة منتظم يوفر وظائف منتظمة، بل هي مسألة حياة أو موت بالنسبة لليمنين.

لم تغير الحكومة مسارها بعد قصف حفل زفاف كبير في محافظة حجة في أبريل/ نيسان 2018، والذي أسفر عن مقتل 21 مدنيا، كما لم تتوقف عمليات بيع الأسلحة للتحالف بعد قصف مركز علاج الكوليرا التابع لمنظمة أطباء بلا حدود (الذي كانت توجد عليه علامات كبير للهلال الأحمر تظهر جلية في صور الأقمار الصناعية) في يونيو/ حزيران 2018. وبعد ثمانية أيام من حكم محكمة الاستئناف الخاص لحملة مكافحة تجارة الأسلحة CAAT، قام التحالف بقصف منزل لعائلة في تعز، مما أسفر عن مقتل ستة مدنيين بينهم ثلاثة أطفال. وفي 31 أغسطس/ آب 2019، قُتل ما لا يقل عن 97 شخصًا، بينهم سبعة أطفال، عندما قام التحالف بقصف مركز احتجاز تابع للحوثيين.

وبعد أكثر من خمس سنوات، لم يعد بإمكان الحكومات، بما في ذلك المملكة المتحدة، الادعاء بثقة بأنها تنخدع بالوعود التي يقدمها التحالف. لقد أثبتوا في كثير من الأحيان أنهم فارغون من الداخل، وغالبًا ما أظهروا أنهم ليسوا أكثر من واجهات تجميلية في محاولة منهم للحفاظ على تدفق الأسلحة.

إن ترخيص بيع الأسلحة للسعودية – والإمارات في هذا الشأن – لا يتعتبر مجال صناعة منتظم يوفر وظائف منتظمة، بل هو مسألة حياة أو موت بالنسبة لليمنين، ويجب أن تكون مصدر قلق للجمهور البريطاني والشركات التي تعمل بموجب تراخيص حكومية. ويمكن أن تكون الرقابة البرلمانية بمثابة تدقيق عن استمرار الحكومة في إشراك الأمة في انتهاكات القانون الدولي.

بنيان جمال، محامية تعمل لدى مواطنة لحقوق الإنسان، وهي منظمة يمنية تُعنى بحقوق الإنسان.

درباله مينوغ، مسؤولة الشؤون القانونية لدى شبكة الإجراءات القانونية العالمية.