الولايات المتحدة لا تعترف بقتل المدنيين في اليمن

وثقت "مواطنة'' آثار ضربات الطائرات الأمريكية بدون طيار في اليمن على مدى السنوات السبع الماضية. وخلال ما يقرب من 20 عامًا منذ أن بدأت الولايات المتحدة في تنفيذ هذه الهجمات، لم تعترف مطلقًا بالكلفة المدنية، ولم تقدم للضحايا المدنيين ما يستحقونه من الاعتراف والاعتذار والجبر.

May 18, 2020

18 مايو/أيار 2020

نشر من قبل في موقع Just Security بتاريخ 15 مايو/ أيار 2020

عبد الرشيد الفقيه وكرستين بيكرلي

في الأسبوع الماضي، وفي تقريرها السنوي حول الخسائر في صفوف المدنيين جراء الصراع، ادعت وزارة الدفاع الأمريكية بأنها لم تقم بقتل مدنيين في اليمن في عام 2019، وادعت نفس الشيء في عام 2018. ولم تكن تلك الادعاءات صحيحة في أي من العامين.

شعرنا بخيبة أمل، إن لم نشعر بالدهشة، من عدم التعامل مع الخسائر الحقيقية التي تسببت بها العمليات العسكرية الأمريكية في اليمن. ووثقت “مواطنة لحقوق الإنسان”، وهي منظمة تُعنى بحقوق الإنسان مقرها في اليمن نعمل لصالحها، آثار ضربات الطائرات الأمريكية بدون طيار في اليمن على مدى السنوات السبع الماضية. وخلال ما يقرب من 20 عامًا منذ أن بدأت الولايات المتحدة في تنفيذ هذه الهجمات، لم تعترف مطلقًا بالكلفة المدنية، ولم تقدم للضحايا المدنيين ما يستحقونه من الاعتراف والاعتذار والجبر.

إن كل ضربة من ضربات الطائرات بدون طيار على مدني يمني آخر يزيد من إحباط المجتمع ويقلل من إحساس الناس بالأمان. كما أنه يزيد من الاعتقاد بأن الولايات المتحدة لا تبالي بخسائر الأرواح من اليمنيين. ومن الصعب علينا ألا نشعر بالمثل كنشطاء في مجال حقوق الإنسان عندما نقوم مرة أخرى بقراءة التقليل الدائم من قبل وزارة الدفاع الأمريكية للكلفة المدنية الناجمة عن الأعمال العسكرية الأمريكية.

يمثل التقرير الصادر الأسبوع الماضي خطوة صغيرة نحو مزيد من الشفافية. فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، طلب الكونغرس الأمريكي من البنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية) رفع تقرير عن عدد المدنيين الذين قتلوا وجرحوا في العمليات العسكرية الأمريكية، بما في ذلك في اليمن. نرحب بنشر هذه التقارير، وقد تضمن كل تقرير من التقارير السنوية، بشكل عام، المزيد من التفاصيل.

ولكن فيما يتعلق باليمن، لا تزال هذه التفاصيل ضئيلة بشكل مخيب للآمال، حيث يشير تقرير 2019 إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية “ليس لديها بلاغات موثوقة عن أي ضحايا مدنيين”. وتوصل تقرير 2018 إلى نفس النتيجة، لكنه أضاف بعض التفاصيل المهمة مثل؛ عدد الغارات الجوية التي نفذتها الولايات المتحدة في ذلك العام (36 غارة)، وعدد القوات الأمريكية المرسلة إلى اليمن، والمحافظات التي قامت فيها الولايات المتحدة بدعم الجهود التي تقودها الإمارات العربية المتحدة واليمن في القضاء على مقاتلي تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.

يطلب من هذا التقرير أن يغطي فقط شريحة بسيطة من إجمالي العمليات الأمريكية خارج أراضيها. ولا يتطرق إلى أي غارات نفذتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، أو تأثير العمليات العسكرية، التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية، على المدنيين مثل تلك التي يقودها التحالف بقيادة السعودية والإمارات والتي ألحقت أضرار بألاف المدنيين وساعدت في تدمير بلد على حافة الانهيار الإنساني. وسعى الكونجرس إلى سد جزء من هذه الفجوة في أماكن أخرى في اليمن، الأمر الذي يتطلب الإبلاغ عن ضحايا مدنيين، تسبب بها التحالف بقيادة السعودية / الإمارات العربية المتحدة، في قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2020، ولكن ضمان تحقيق محاسبة حقيقية عن تأثير عمليات شركاء الولايات المتحدة على المدنيين، بما في ذلك دور الولايات المتحدة الدقيق في هذا التأثير، تبقى مسألة بالغة الأهمية.

عدم وجود قناة إبلاغ واضحة

أضاف تقرير وزارة الدفاع لعام 2019، إلى جانب ادعائه الشامل بعدم وجود ضحايا مدنيين، فقط أن القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) التي تغطي المنطقة لم تتلق أي بلاغات من المنظمات الدولية أو المنظمات غير الحكومية عن وقوع ضحايا مدنيين. وهذا الأمر متوقع، حيث أنه، على حد علمنا، لا توجد قناة إبلاغ واضحة ومعلنة للجمهور سواء من المنظمات غير الحكومية في اليمن أو المدنيين المتضررين من العمليات العسكرية الأمريكية. ويذكر التقرير أن القيادات الإقليمية تنظر في “البلاغات المقدمة من أي مصدر، بما في ذلك … المدنيين المحليين”. ولم يكن المدنيون الذين قابلهم فريق البحث التابع لمنظمة مواطنة على علم بأي وسيلة للإبلاغ عما حدث لهم. وحتى إذا كان بإمكان أي شخص أو منظمة غير حكومية تقديم بلاغ، فكيفية تحديد ما يلبي معايير “الموثوقية” للولايات المتحدة تشكل عقبة إضافية. فمن بين التحديات الأخرى التي تم تحليلها مؤخرًا من قبل معهد CIVIC ومعهد حقوق الإنسان بجامعة الحقوق في كولومبيا، يجب أن يعتبر مصدر أي بلاغ “موثوق”، ويجب أن ترتبط تفاصيل البلاغ بسجلات عسكرية داخلية (والتي قد تكون غير مكتملة أو غير دقيقة)، ومن النادر وجود تفسيرات عن سبب اعتبار بعض البلاغات غير موثوقة.

ينبغي على القوات العسكرية الأمريكية تسهيل استقبال البلاغات من المجتمع المدني وفتح حوار معه في البلدان التي تدير فيها عمليات عسكرية، حيث تتمتع فرق مثل فرقنا، والتي تعمل على الأرض في مناطق الصراع، بإمكانية الوصول إلى معلومات لا تمتلكها القوات العسكرية وغالباً ما توضع هذه الفرق في أماكن مناسبة تمكنها من تقديم المخاوف بشأن أثار العمليات العسكرية على المدنيين وأنماط ضررها على نطاق أوسع بشكل سريع وموثوق. إن تناول هذه المخاوف على محمل الجد يمكنه أن يقطع شوطاً طويلاً نحو تحسين العمليات العسكرية ومعالجة الأخطاء.

قام موظفو “منظمة مواطنة” – رجالاً ونساءً مكرسون للعمل من أجل تحقيق يمن بلا حرب – بتوثيق الغارات الأمريكية التي تسببت بقتل وجرح العشرات من المدنيين في اليمن على مر السنين، بما في ذلك الغارات التي نفذتها في العامين 2018 و2019. فقللت تقارير وزارة الدفاع الأمريكية للعامين 2018 و2019 من عدد الضحايا المدنيين جراء العمليات العسكرية الأمريكية في اليمن. وهذا عيب جوهري في تقرير يهدف بالأساس إلى إحصاء الضحايا المدنيين بشفافية.

وتزعم الولايات المتحدة أن لديها معلومات استخبارية سرية تجهلها المنظمات غير الحكومية مثل منظمتنا. ربما يكون ذلك صحيحاً، ولكن لدينا إمكانية للوصول إلى الرجال والنساء والأطفال الذين نجوا أو شهدوا أو تأثروا بهذه الغارات بشكل أخر. فقد قام فريق البحث التابع لمنظمة مواطنة بزيارة مواقع الغارات والتقطوا صوراً ومقاطع فيديو وأجروا مقابلات مع أشخاص من الضحايا وأقاربهم وغيرهم من الشهود، وجمعوا وثائق بشأن تلك الغارات وأثارها في العامين 2018 و2019. وهنا تظهر بشكل سريع صورة مختلفة عن تلك التي ترسمها الولايات المتحدة.

مثالين فقط

في أواخر يناير/ كانون الثاني 2019، كان صالح القيسي، وهو يمني يبلغ من العمر 55 عامًا عمل كدهان حوائط في المملكة العربية السعودية، يزور عائلته في محافظة البيضاء، في قرية تقع في منطقة نائية جداً في اليمن والخدمات فيها مثل المياه والكهرباء محدودة أو معدومة. ترك زوجته وأطفاله الثلاثة في منزل أحد أفراد الأسرة، وتحدث قليلاً مع قريب آخر له في القرية. قال قريبه هذا، “لقد كنت على دراجتي عندما قابلت العم صالح … ذكرني ببعض الحكايات المضحكة أثناء عملنا في المملكة العربية السعودية. وبعدها واصل طريقه … فجأة سمعت جسم طائر يصطدم بسيارته”. غارة أمريكية واضحة ضربت سيارة القيسي، حيث كان بالقرب من المركز الصحي المحلي. قال أحد الشهود، بعد الضربة الأولى، أراد أشخاص في المنطقة الوصول إليه لمساعدته، ولكن الطائرة ظلت مرئية في السماء، فخافوا من وقوع ضربة أخرى. وعندما حاول القيسي الخروج من سيارته أصابته ضربة ثانية وقتلته.

قبل أقل من عام، وتحديداً في شهر مارس/ أذار 2018 في محافظة حضرموت، كان هناك صبي يبلغ من العمر 12 عامًا مع ابن عمه البالغ من العمر 17 عامًا في سيارتهما متجهين إلى المنزل بعدما قاموا بتوصيل بعض نساء من أقاربهما إلى منزل عزاء. وفي طريقهما إلى المنزل حوالي الساعة 4 مساءً ضربت غارة أمريكية سيارة الصبيين، مما أسفر عن مقتل عامر البالغ من العمر 12 عامًا وإصابة ابن عمه حسن الذي يكبره سناً.

بالنسبة لهاتين الغارتين، كما هو الحال بالنسبة للعديد من الهجمات الأخرى، لم تجد منظمة مواطنة أي إشارة موثوقة بأن القيسي أو عامر أو حسن كانوا يشاركون بشكل مباشر في أعمال عدائية – أو ينتمون، في هذا الصدد، بأي شكل من الأشكال – إلى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أو إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” في اليمن (IS-Y). وصف الناس القيسي بأنه رجل محبوب وذو أخلاق حميدة، وأنه معروف بعدم انخراطه في الشؤون السياسية أو العسكرية. وقد نظم المجتمع الذي ينتمي إليه القيسي وقفة احتجاجية بعد الضربة الجوية التي قتل فيها.

“إذا التزمنا الصمت بشأن هذه الجريمة، فإن عدد الغارات المماثلة ضد الأبرياء سيزداد”

وقال معلم عامر إنه كان “طفلاً جيدًا جدًا” وأن عائلته “الفقيرة” كانت لديها “آمال كبيرة من أجله”. وقالت والدته إن ابنها سيعود من المدرسة لمساعدتها في الأعمال المنزلية. وحسن، ابن عم عامر، لم يكن مدنياً فقد كان يخدم في الجيش اليمني. ومع ذلك، كان يذهب بانتظام إلى مقر عمله في قاعدة عسكرية تابعة للحكومة اليمنية، وهي حليف مقرب للولايات المتحدة، مما يدعو للشك، إذا كان هو الهدف من الضربة المميتة، فلماذا كان توجيه هذه الضربة المميتة له ضرورياً.

خلال السنوات الطويلة لمنظمة مواطنة في توثيق الغارات الأمريكية بطائرات بدون طيار في اليمن، استمعنا إلى أقوال أقارب القتلى الذين كانوا مقتنعين بأن الضربات كان بالخطأً، وكانوا في بداية الأمر يتوقعون أن الولايات المتحدة والحكومة اليمنية ستقومان بالاعتذار وتقديم الإنصاف والتعويض للضحايا. وبعد الضربة التي أصابت عامر، قال أقارب عامر بإنهم كانوا يأملون في الحصول على تعويض واعتذار. قال أحدهم: “إذا التزمنا الصمت بشأن هذه الجريمة، فإن عدد الغارات المماثلة ضد الأبرياء سيزداد”.

غالباً ما يتلاشى الأمل

باستمرار الغارات على المدنيين دون اعتراف أو إنصاف، فإن ذلك الأمل يتلاشى في الغالب. وكما قال أحد الباحثين الميدانيين التابعين لمنظمة مواطنة، “في كل مرة أعود فيها من سفري إلى الموقع التي استهدفتها الطائرات بدون طيار في محافظتي، أشعر بالحزن الشديد والاقتناع بأن هؤلاء الضحايا كانوا ضحايا لثلاث مرات”. وأوضح الباحث أن اليمنيين في المناطق التي تستهدفها الطائرات الأمريكية بدون طيار بشكل متكرر يواجهون صعوبات متعددة المستويات (الغارات الجوية الأمريكية والجماعات المتطرفة المسلحة وانتشار الفقر والجوع ونقص الخدمات الأساسية).

التقليل من الأثار على المدنيين يزيد الضرر. أيا كان سبب هذا التقليل – عدم القدرة على جمع أدلة هامة أو النظر في مصادرها مثل مقابلات الشهود، أو استخدام تعريف واسع للشخص المقاتل، أو عدم الاعتراف بالخسائر في صفوف المدنيين الناجمة عن غارات تستهدف أهداف قانونية أخرى – في كل عام، يقدم التقرير وعدا بشيء من الاعتراف لليمنيين، وفي كل عام يخيب أمالهم.

هناك عدد من الخطوات التي يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة للتخفيف من وقوع الأضرار على المدنيين في اليمن، بدءًا بإجراء تحقيقات أفضل. ويشمل ذلك إنشاء قناة واضحة وسهلة الوصول لمنظمات المجتمع المدني والمدنيين، مثل الشهود وأفراد أسر الضحايا، لتقديم بلاغات عن الأضرار التي وقعت عليهم. كما سيسهم كل من الإبلاغ المنتظم عن تأثير العمليات العسكرية التي تدعمها الولايات المتحدة والشفافية في كل من التحقيقات والعمليات تحقيق الخطوات المرجوة والمضي قدماً. أحد الأمثلة البسيطة: نظرًا للصراع الوحشي المستمر في اليمن، يمكن أن يكون إسناد الغارات الجوية أمرًا صعبًا. إن شفافية الولايات المتحدة بشأن التحديد الدقيق لتاريخ ومكان وأهداف تنفيذ الغارات والأماكن التي تدعم فيها عمليات الآخرين ستساعد في تسهيل عمليات التحقيق.

ومن أجل تحقيق المساءلة والجبر التعويضي للضحايا، يجب على الولايات المتحدة إجراء تحقيقات فعالة في جميع الادعاءات الموثوقة بشأن الخسائر غير القانونية في صفوف المدنيين والمرتبطة بالعمليات العسكرية الأمريكية في اليمن. ويجب على الولايات المتحدة أيضًا الاعتذار عن الخسائر التي تسببت بها في صفوف المدنيين، وإنشاء آلية رسمية سهلة الوصول – مع توفر المواد باللغة العربية – يمكن للمدنيين من خلالها طلب أو الحصول على تعويضات فورية وهادفة وغيرها من التعويضات.

يمكن للاعتراف بوفيات المدنيين، مقرونًا بالجبر والإنصاف، أن يقطع شوطًا طويلاً نحو تعطيل دورات العنف. وعدم اعتراف الولايات المتحدة حتى بالقدر الكافي بالقتلى والجرحى من غاراتها الخاصة لن يؤدي إلا إلى مزيد من انعدام الثقة بين المجتمعات المتضررة.

عبد الرشيد الفقيه (@ralfaqih) المدير التنفيذي لمنظمة مواطنة لحقوق الإنسان، وهي منظمة يمنية مستقلة تٌعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان في اليمن وحمايتها.

كريستين بيكرلي (@K Beckerle) مدير الشؤون القانونية والمساءلة والإنصاف لدى منظمة مواطنة لحقوق الإنسان.