

قالت مواطنة لحقوق الإنسان، في بيانٍ لها اليوم، بالتزامن مع اليوم الدولي للمهاجرين، الذي يوافق الثامن عشر من ديسمبر/ كانون الأول من كل عام، إنّ اليمن لا يزال أحد أخطر مسارات العبور للمهاجرين القادمين من القرن الإفريقي في طريقهم نحو دول الخليج، حيث يواجه آلاف المهاجرين العابرين أنماطًا متعددة من الانتهاكات الجسيمة، في سياق نزاعٍ مسلح ممتدّ وغياب شبه كامل لمنظومات الحماية وسيادة القانون.
وذكرت مواطنة أنّها خلال الفترة من 18 ديسمبر/ كانون الأول 2023 إلى نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، وثّقت 70 واقعة انتهاك تعرَّضَ لها المهاجرون الأفارقة في اليمن، وقع ضحيتها 488 فردًا، بينهم 32 امرأة، و78 طفلًا. تتحمّل جماعة أنصار الله (الحوثيين) المسؤولية عن 27 واقعة انتهاك، وتتحمل قوات حرس الحدود السعودي المسؤوليةَ عن 15 واقعة، في حين يتحمل المجلس الانتقالي الجنوبي المسؤولية عن 11 واقعة، وتتحمل الحكومة المعترف بها دوليًّا المسؤوليةَ عن 6 وقائع، بالإضافة إلى واقعة واحدة تتحمل المسؤولية عنها القوات الأمريكية، وأخرى تتحمل مسؤوليتها القواتُ المشتركة، وتتحمل أطرافٌ أخرى على رأسها عصابات التهريب والاتجار بالبشر المسؤوليةَ عن 9 وقائع من إجمالي ما تم توثيقه. وأكّدَت مواطنة أن هذه الوقائع تمثّل ما تمكَّنَ فريقُها من الوصول إليه وتوثيقه، ولا تمثّل إجمالي ما تعرّض له المهاجرون من انتهاكات خلال الفترة المذكورة.
وقد توزّعت هذه الانتهاكات على عددٍ من المحافظات الخاضعة لسيطرة أطراف النزاع المختلفة، وشملت ألغامًا وأجسامًا متفجرة، واحتجازًا تعسّفيًّا، واختطافًا، واختفاءً قسريًّا، وإغراقًا قسريًّا، وتجنيد واستخدام أطفال، وتعذيبًا، وتقييد حرية تنقُّل، وتهجيرًا قسريًّا، ودهسًا بمركبات عسكرية، ورصاصًا حيًّا، وعنفًا جنسيًّا، وهجمات أرضية وجوية، وغيرها.
وأكّدت مواطنة أنّ فريقها الميداني في مختلف المحافظات، أجرى 121 مقابلة مع الضحايا الناجين وأقاربهم وأصدقائهم، وشهود عيان ومسعفين وطواقم طبية لتوثيق هذه الانتهاكات. أُجريَت المقابلات باللغة العربية، وتمّت الاستعانة بمترجمين موثوقين عند إجراء المقابلات مع الضحايا والشهود الناطقين بغير العربية، كما تم جمع وتحليل أنواعٍ مختلفة من الأدلة، بما في ذلك الصور والتقارير الطبية والوثائق الرسمية وغيرها من القرائن والأدلة.
نماذج انتهاكات
وقام فريق الهلال الأحمر اليمني- فرع صعدة، بدعمٍ من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وعددٍ من الجهات في السلطة المحلية، بالعمل على إنقاذ وإسعاف الضحايا وانتشال القتلى من الهنجر المستهدَف وإسعافهم إلى هيئة المستشفى الجمهوري بمركز المحافظة، وكذلك مستشفى الطلح الريفي بمديرية سحار. وبعد وقوع الغارات اندفعَ عددٌ من السجناء للهروب ومحاولة الخروج، ولكن قام الحراس والعاملون في مركز الاحتجاز بإطلاق النار على المحتجَزين من المهاجرين؛ ممّا أدّى إلى مقتل وإصابة عددٍ منهم. كما أفاد عددٌ من الشهود وأفراد الطاقم الطبي بأن تأخُّر عمليات الإسعاف وعرقلتها من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين) في المحافظة، تسبَّبَ بارتفاع عدد الضحايا.
قال أحد المسعفين لمواطنة: "وصلتُ موقع الواقعة في الدقائق الأولى، وما شاهدته في مكان الحادثة وكذلك في المستشفى، كان مشهدًا مرعبًا يفوق الخيال، لم أرَ أو أشاهِد مثله من قبل؛ أعدادٌ كبيرة من الضحايا، اختلط القتلى بِالجرحى، لم نعُد نميّز أيًّا منهم قتيل وأيهم جريح، وقِطع اللحم مبعثرة في مكان الاستهداف، كانت أصوات الجرحى وأنينهم تملأ المكان".
وأضاف: "كنت أمشي وأنا شارد الذهن وتائه وكأنني في حلم أو مشهد لأحد أفلام الرعب. طيلة يوم الحادثة حتى اليوم الثاني ونحن نسعفُ الجرحى ونقدِّم الخدمات الضرورية لهم، المشهد لا يفارق خيالي، تظهر أمامي صور المهاجرين المقطّعة والدماء حتى أثناء الأكل، وتراودني كوابيس مروعة، وأصبحت أخاف عند سماع صوت، وهذا الشعور لم أكن أعيشه من قبل".
حدث ذلك عندما كان الضحية في طريقه من مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة إلى منطقة رداع في محافظة البيضاء؛ للبحث عن فرصة عمل في مزارع القات، وبينما كان يمشي على قدميه وحيدًا، داست قدمه اليمنى أحدَ الألغام، فانفجر به.
قال الضحية لمواطنة: "بينما كنتُ أمشي حاولتُ الخروج من الطريق حتى أختصر الطريق للوصول إلى قمة العقبة كونها طويلة قليلًا، وعند خروجي من الطريق بقليل داست قدمي اليمنى على لغم أرضي كان ظاهرًا قليلًا من الأرض، لم أنتبه له إلا وقد وقعت قدمي عليه، حيث شاهدته بلمح البصر، فانفجر فيَّ ورَماني جانب الطريق! اللغم تسبّب ببتر رجلي اليمنى من منطقة الركبة وتهشُّم عظام ساق قدمي اليسرى، وتطايرت شظايا صغيرة منه في أجزاءٍ من جسدي".
وأضاف: "كان الألم شديدًا، وكنتُ ممسكًا برجلي اليمنى بقوة؛ حتى لا أنزف كثيرًا. شاهدتُ كتلًا من اللحم من رجلي بجانبي مرمية، ورجلي الأخرى أيضًا تنزف. عندما بدأت أفقد الوعي، جاءت سيارة هايلوكس فيها تقريبًا 8 أشخاص، توقّفوا بجانبي ونزلوا ليحملوني إلى السيارة وأسعفوني إلى المستشفى".
قالت والدة الطفلة لِمواطنة: "عقب الحادثة، قُمت بإسعاف ابنتي، واحتاجت لنقل دم وعملية جراحية، وبقيت في المستشفى 10 أيام، ثم قدّمتُ بلاغًا لقسم شرطة البساتين، إلا أنّهم لم يتمكّنوا من إثبات الواقعة عقب إنكار المدرسة للواقعة، والعبث بالأدلة من قبل العسكري الجاني، كما تعرضتُ للتهديد في المستشفى من قبل أحد الجناة، حيث هدّدني بالتسبّب بالأذى لي ولابنتي في حال أخبرت أحدًا أو قدّمت بلاغًا".
وأضافت: "ليس لدينا مالٌ أو نفوذ، ولا أستطيع أخذ حق ابنتي، وأخشى أن تتعرض للأذى مرة أخرى".
ويُذكر أنّ أسباب الحادثة تعود إلى خلاف حول العائد المادي الذي يتقاضاه قائد اللواء الثاني دفاع ساحلي، والجنود التابعون له، من عملية تهريب المهاجرين، بعد رفع قائد اللواء تكلفة العبور من 5 إلى 10 ريالات بالعملة السعودية عن كل مهاجر، وعند رفض المهاجرين دفع المبلغ الإضافي، لم يُسمح لهم بالعبور بشكل نهائي.
وأشارت مواطنة إلى أنّه في الأشهر الأخيرة في العام 2025، شهدت منصات التواصل الاجتماعي حملات تحريض واسعة ضد المهاجرين الأفارقة في اليمن، شملت خطابات كراهية وتحريضًا علنيًّا، ودعواتٍ للترحيل القسري، وقد انعكست هذه الحملات بآثار إنسانية خطيرة، تتمثّل في تصاعد مناخ العِداء والعنف ضد المهاجرين، ودفع كثيرين منهم إلى الاختباء أو النزوح القسري نحو مناطق أكثر خطورة، فضلًا عن حرمانهم من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والرعاية الصحية، وتعريضهم لمزيد من الاستغلال من قبل الأطراف المنتهِكة.
قال عبدالرشيد الفقيه- نائب رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان: "إنّ المهاجرين الأفارقة في اليمن، يعيشون واحدةً من أكثر الأوضاع هشاشة وخطورة، حيث يتحوّلون إلى ضحايا لانتهاكات جسيمة ومتعددة الأطراف، تبدأ بالاستغلال والعنف والاحتجاز التعسفي، ولا تنتهي بالتهجير القسري والتحريض العلني". وتابع: "إنّ استمرار التعامل مع المهاجرين كعبء إنساني، بدلًا من اعتبارهم أصحاب حقوق مكفولة بموجب القانون الدولي، يفتح الباب أمام مزيد من الانتهاكات، ويُكرّس سياسة الإفلات من العقاب".
وأضاف الفقيه: "إنّ حماية المهاجرين ليست مسألة إحسان أو استجابة طارئة، بل التزام قانوني وأخلاقي يقع على عاتق جميع الأطراف المسيطرة على الأرض، وعلى المجتمع الدولي، ولا يمكن الاستمرار في غضّ الطرف عن معاناة آلاف المهاجرين العالقين في اليمن دون أيّ شكلٍ من أشكال الحماية الفعلية".
وقد وثّق تقريرُ مواطنة لحقوق الإنسان ترانزيت الجحيم الانتهاكاتِ المروّعةَ التي تطال المهاجرين الأفارقة خلال عبورهم للأراضي اليمنية، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري، والتعذيب والمعاملة القاسية والمهينة، والعنف الجنسي، والابتزاز، والعمل القسري، والحرمان من الغذاء والمياه والرعاية الصحية، إضافة إلى الترحيل القسري وتركهم في مناطق نائية وخطِرة، دون أي ضمانات قانونية أو إنسانية، كما نشرت مواطَنة فيلمًا وثائقيًّا بعنوان ترانزيت الجحيم، يعكس جانبًا من معاناة المهاجرين، والانتهاكات التي يتعرضون لها خلال رحلة عبورهم في اليمن.
وفي السياق ذاته، تشير بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR)) -في آخر تحديث لها في يناير 2025- إلى أنّ اليمن لا يستضيف مهاجرين عابرين فحسب، بل يضمّ أيضًا 61,240 لاجئًا وطالبَ لجوءٍ مسجَّلِين لديها.
وبيّنت مواطنة أنّ هذه الانتهاكات لا تُرتكب من طرف واحد، بل تورطت فيها مختلف أطراف النزاع، بما في ذلك: جماعة أنصار الله (الحوثيين)، ووحدات حرس الحدود السعودي، وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، والحكومة المعترف بها دوليًّا، والقوات المشتركة، والتحالف بقيادة السعودية والإمارات، والقوات الأمريكية، بالإضافة إلى عصابات التهريب والاتجار بالبشر في ظلّ إفلاتٍ كامل من العقاب.
وأكّدت مواطنة لحقوق الإنسان أنّ المهاجرين -بِغضّ النظر عن وضعهم القانوني- يتمتعون بالحماية الكاملة التي يوفّرها القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يحظر الاحتجازَ التعسفي والتعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية، ويكفل الحق في الحياة والحرية والأمان الشخصي، واتفاقية مناهضة التعذيب التي تحظر بصورة مطلقة تعذيب أيّ شخص أو إعادته إلى مكانٍ قد يتعرض فيه للتعذيب أو سوء المعاملة.
وفي سياق النزاع المسلح الدائر في اليمن، يتمتع المهاجرون أيضًا بحماية القانون الدولي الإنساني، ولا سيّما اتفاقيات جنيف لعام 1949، بصفتهم مدنيّين محميّين، وهو ما يحظر استهدافهم، أو تعريضهم للمعاملة القاسية، أو النقل القسري، أو الاحتجاز في ظروف غير إنسانية. وتشدّد مواطنة على أنّ الانتهاكات المرتكَبة بحق المهاجرين في اليمن تشكّل خروقات جسيمة لهذه القوانين الدولية، وتستوجب المساءلة وعدم الإفلات من العقاب.
وذكرت مواطنة أنّ تعدُّد الجهات المنتهِكة وتداخُل أدوارها، في ظل غياب المساءلة، حوّلَ اليمنَ إلى فضاءٍ شديد الخطورة على حياة المهاجرين وكرامتهم، وجعلهم من أكثر الفئات هشاشة وتعرُّضًا للانتهاكات الجسيمة.
وأكّدت مواطنة لحقوق الإنسان أنّ إحياء اليوم الدولي للمهاجرين، يشكِّل مناسبةً لتسليط الضوء على معاناة المهاجرين العابرين في اليمن، ودَعَتْ أطرافَ النزاع إلى التوقف الفوري عن ارتكاب الانتهاكات بحق المهاجرين، وتسهيل وصول المنظمات الإنسانية للمتضررين، وتنفيذ تدخلاتها الإنسانية دون عوائق.
وجدّدت دعوتها للمجتمع الدولي والأمم المتحدة للضغط على أطراف النزاع في اليمن لتحمّل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية في حماية المدنيين، بمن في ذلك المهاجرون الأفارقة، والمصادقة على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالمهاجرين، وضمان احترام الحقوق الأساسية للمهاجرين، وفي مقدمتها الحق في الحياة، والكرامة، والسلامة الجسدية، وعدم التعرض للتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية.